أما والله يا حجاج لو كنت تعرفني، ما قلت هذه المقالة. أنا والله يا حجاج العباسي بن أبي ثور، أصرع في كل يوم خمس مرات. فقال الحجاج: انطلق فلا شفى الله الأبعد من جنونه ولا عافاه.
قال محمد بن إدريس الشافعي: قال الوليد بن عبد الملك للغازي بن ربيعة. إني سأدعوك وأدعو الحجاج فتتحدثان عني، فإذا قمت وخلوت به فسله عن هذه الدماء: هل يحيك في نفسه منها شيء، أو يتخوف لها عاقبة؟ قال: فتحدثا عن الوليد، ثم خرجا فألقي لهما وسادة في الجبل أو في القصر، وقام الحجاج ينظر إلى الغوطة. قال: واستحييت أن أجلس فقمت معه، فقلت: يا أبا محمد، أرأيت هذه الدماء التي أصبت، هل يحييك في نفسك منها شيء، أو تتخوف لها عاقبة؟ قال: فجمع يده فضرب بها في صدري، ثم قال: يا غاز ارتبت في أمرك، أو شككت في طاعتك! والله ما أود أن لي لبنان وسنير ذهباً مقطعاً أنفقها في سبيل الله مكان ما أبلاني الله من الطاعة.
حدث أبو المضرجي قال: أمر الحجاج محمد بن المستنير ابن أخي مسروق بن الأجدع أن يعذب أزادمرد بن الهربد، فقال له أزادمرد: يا محمد، إن لك شرفاً قديماً وإن مثلي لا يعطي على الذل شيئاً، فاستأدني وثق بي، فاستأداه في جمعة ثلاث مئة ألف، فغضب الحجاج وأمر معداً صاحب العذاب أن يعذبه، فدق يديه ورجليه، فلم يعطهم شيئاً. قال محمد: فإني لأسير بعد ثلاثة أيام، إذا أنا بأزدامرد معترضاً على بغل، قد دقت يداه ورجلاه. فقال لي: يا محمد. فكرهت أن آتيه فيبلغ الحجاج، وتذممت من تركه إذ دعاني، فدنوت منه فقلت: حاجتك؟ فقال: قد وليت مني مثل هذا وأحسنت إلي، ولي عند فلان مئة ألف درهم، فانطلق فخذها. قلت: لا والله لا آخذ منها درهماً وأنت على هذه الحال، قال: وإني أحدثك حديثاً سمعت من أهل دينك يقولون: إذا أراد الله تعالى بالعباد خيراً أمطرهم في