قال سماك بن موسى الضبي: أمر الحجاج أن توجأ عنق أنس بن مالك، وقال: أتدرون من هذا؟ هذا خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أتدرون لم فعلت به هذا؟ قالوا: الأمير أعلم. قال: لأنه تبنى البلاء في الفتنة الأولى. عاش الصدر في الفتنة الآخرة.
قال عوانة بن الحكم الكلبي: دخل أنس بن مالك على الحجاج بن يوسف، فلما وقف بين يديه سلم عليه فقال: إيه إيه يا أنيس، يوم لك مع علي، ويوم لك مع ابن الزبير، ويوم لك مع ابن الأشعث، والله لأستأصلنك كما تستأصل الشأفة، ولأدمغنك كما تدمغ الصمغة. قال أنس: إياي يعني الأمير أصلحه الله؟ قال: إياك، سك الله سمعك. قال أنس: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لولا الصبية الصغار ما باليت أي قتلة قتلت، ولا أي ميتة مت. ثم خرج من عند الحجاج، فكتب إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك. فلما قرأ عبد الملك كتاب أنس استشاط غضباً، وصفق عجباً، وتعاظمه ذلك من الحجاج. وكان كتاب أنس إلى عبد الملك بن مروان: بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين، من أنس بن مالك. أما بعد، فإن الحجاج قال لي هجراً، وأسمعني نكراً، ولم أكن لذلك أهلاً، فخذ لي على يديه، فإني أمت بخدمتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبتي إياه، والسلام عليك ورحمة الله.
فبعث عبد الملك إلى إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، وكان مصادقاً للحجاج فقال له: دونك كتابي هذين، فخذهما واركب البريد إلى العراق، فابدأ بأنس بن مالك صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وادفع كتابه إليه، وأبلغه مني السلام، وقل له: يا أبا حمزة، قد كتبت إلى الحجاج الملعون كتاباً، إذا قرأه كان أطوع لك من أمتك. وكان كتاب عبد الملك إلى أنس بن مالك: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى أنس بن مالك خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت من شكاتك الحجاج، وما سلطته عليك، ولا أمرته بالإساءة إليك، فإن عاد لمثلها فاكتب إلي بذلك، أنزل به عقوبتي، وتحسن لك معونتي. والسلام. فلما قرأ أنس كتابه