للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبره برسالته قال: جزى الله أمير المؤمنين عني خيراً، وعافاه وكافأه عني بالجنة، فهذا كان ظني به، والرجاء منه. فقال إسماعيل بن عبيد الله لأنس: يا أبا حمزة، إن الحجاج عامل أمير المؤمنين، وليس بك عنه غنى ولا بأهل بيتك، ولو جعل لك في جامعة ثم دفع إليك، لقدر أن يضر وينفع. فقاربه وداره. فقال أنس: أفعل إن شاء الله.

ثم خرج إسماعيل من عنده فدخل على الحجاج. فلما رآه الحجاج قال: مرحباً برجل أحبه وكنت أحب لقاءه. فقال له إسماعيل: أنا والله كنت أحب لقاءك في غير ما أتيتك به. قال: وما أتيتني به؟ قال: فارقت أمير المؤمنين وهو أشد الناس عليك غضباً، ومنك بعداً. قال: فاستوى الحجاج جالساً مرعوباً، فرمى إليه إسماعيل بالطومار، فجعل الحجاج ينظر فيه مرة ويعرق، وينظر إلى إسماعيل أخرى. فلما نفضه فال: قم بنا إلى أبي حمزة نعتذر إليه ونترضاه. فقال له إسماعيل: لا تعجل. قال: كيف لا أعجل، وقد أتيتني بأمره؟ وكان في الطومار إلى الحجاج بن يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين، إلى الحجاج بن يوسف، أما بعد، فإنك عبد طمت به الأمور، فسموت فيها، وعدوت طورك، وجاوزت قدرك، وركبت داهية أذىً، وأردت أن تبورني، فإن سوغتكها مضيت قدماً، وإن لم أسوغكها رجعت القهقرى، فلعنك الله عبداً أخفش العينين، منقوص الجاعرتين، أنسيت مكاسب آبائك بالطائف، وحفرهم الآبار، ونقلهم الصخور على ظهورهم في المناهل، يا بن المستفرمة بعجم الزبيب! والله لأغمزنك غمز الليث الثعلب، والصقر الأرنب، وثبت على رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا فلم تقبل له إحسانه، ولم تجاوز له إساءته، جرأة منك على الرب عز وجل، واستخفافاً منك بالعهد، والله لو أن اليهود والنصارى رأت رجلاً خدم عزيز بن عذرة وعيسى بن مريم، لعظمته وشرفته وأكرمته فكيف وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خدمه ثمان سنين يطلعه على سره، ويشاوره في أمره، ثم هو هذا بقية من بقايا أصحابه. فإذا قرأت كتابي هذا فكن أطوع له من خفه ونعله، وإلا أتاك

<<  <  ج: ص:  >  >>