فجلسنا بالباب، فخرج علينا وهو يكثر مبتسماً، فلما لحظناه حمدنا الله على سلامته. قال الحسن: العجب والله لهذا العبد، دخلت عليه وهو في مثنية رقيقة متوشح بها ذات علم، في جنبذة من خلاف سقفها الثلج، فهو يقطر عليه، فوجدت القر، وسلمت عليه وفي يده القضيب فقال: أنت القائل يا حسن ما بلغني عنك؟ قال: وما الذي بلغك؟ قال: أنت القائل: اتخذوا عباد الله خولاً، وكتاب الله دغلاً، ومال الله دولاً، يأخذون من غضب الله، وينفقون في سخط الله، والحساب عند البيدر؟ والله يقول:" وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " فيكفي بها إحصاء. قال: نعم، أنا القائل ذلك. قال: ولم؟ قال: لما أخذ الله ميثاق الفقهاء في الأزمنة كلها: " لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " الآية. قال: فنكت بالقضيب ساعة وفكر، ثم قال: يا جارية، الغالية، قال: فخرجت جارية ذات قصاص، معها مدهن من فضة. فقال: أوسعي رأس الشيخ ولحيته ففعلت، ثم قال: يا حسن، إياك والسلطان أن تذكرهم إلا بخير، فإنهم ظل الله في الأرض، من نصحهم اهتدى، ومن غشهم غوى. فقلت له: أصلحك الله، هكذا بلغني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" وقروا السلطان وأجلوهم، فإنهم عز الله في الأرض، وظله، ومن نصحهم اهتدى، ومن غشهم غوى، إذا كانوا عدولاً ". قال الحجاج: لا والله ما فيه إذا كانوا عدولاً، ولكنك زدت يا حسن، انصرف إلى أصحابك، فنعم المؤدب أنت.
وفي رواية، في حديث الحسن: أن الحجاج أرسل إليه، فأدخل عليه. فلما خرج من عنده قال: دخلت على أحيول يطرطب شعرات له، فأخرج إلي ثياباً قصيرة. قلما عرقت فيها الأعنة في سبيل الله.
قوله: يطرطب شعرات له: أن ينفخ شفتيه في شاربه غيظاً له أو كبراً.