وأما ما روي عن معاذ ولما قدم عمر الجابية أراد قسم الأرضين فقال له معاذ: والله إذن ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها اليوم كان الربع العظيم في أيدي القوم، ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسداً وهم لا يجدون شيئاً. فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم. فسار عمر إلى قول معاذ.
وأما ما روي عن الزبير قال سفيان بن وهب الخولاني: لما افتتحنا مصر بغير عهد قام الزبير بن العوام فقال: يا عمرو بن العاص، أقسمها، فقال عمرو: لا أقسمها، فقال الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبير، قال عمرو: والله لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر أن أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة.
وأما ما روي عن بلال وعن نافع مولى ابن عمر قال: أصاب الناس فتح الشام فيهم بلال، قال: وأظنه ذكر معاذ بن جبل فكتبوا إلى عمر بن الخطاب: إن هذا الفيء الذي أصبنا، لك خمسه، ولنا ما بقي، ليس لأحد منه شيء. كما صنع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فكتب عمر: ليس علي ما قلتم، ولكني أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب وراجعهم، يأبون ويأبى، فلما أبوا قام عمر فدعا عليهم فقال: اللهم، أكفني بلالاً وأصحاب بلال. قال: فما حال الحول عليهم حتى ماتوا جميعاً.
قال البيهقي: قوله إنه ليس علي ما قتم ليس يريد إنكار ما احتجوا به من قسمة خيبر، ويشبه أن يريد به: ليست المصلحة فيما قلتم، وإنما المصلحة في أن أقفها للمسلمين، وجعل يأبى قسمتها لما كان يرجو من تطييبهم ذلك له، وجعلوا يأبون لما كان لهم من الحق، فلما أبوا لم يبرم عليهم الحكم بإخراجها من أيديهم، ووقفها، ولكن دعا عليهم حيث خالفوه فيما رأى من المصلحة، وهم لو وافقوه وافقه أفناء الناس وأتباعهم.