وقال محمد بن إدريس الشافعي: ليس للإمام إيقافها. وإنما يلزمه قسمتها، فإن اتفق المسلمون على إيقافها ورضوا أن لا تقسم جاز ذلك، واحتج من ذهب إلى هذا القول بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قسم أرض السواد بين غانمها وحائزها، ثم استنزلهم بعد ذلك عنها، واسترضاهم منها، ووقفها.
فأما الأحاديث التي وردت عن عمر أنه لم يقسمها فإنه محمولة على أنه امتنع من إمضاء القسم واستدامته بأن انتزع الأرض من أيديهم، أو أنه لم يقسم بعض السواد وقسم بعضه، ثم رجع فيه.
قال أبو عبيد: وجدنا الآثار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم، وملك أيمانهم، وهي أرض عشر، لا شيء عليهم فيها غيره، وأرض افتتحت صلحاً على خراج معلوم فهي على ما صولحوا عليه، لا يلزمهم أكثر منه، وأرض أخذت عنوة فهي التي اختلف المسلمون فيها. فقال بعضهم: سبيلها سبيل الغنيمة تخمس، وتقسم، فيكون أربعة أخماسها خططاً بني الذين افتتحوها خاصة، ويكون الخمس الباقي لمن سمى الله تعالى، وقال بعضهم: بل حكمها والنظر فيها للإمام: إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها كما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فتلك له، وإن رأى أن يجعلها فيئاً فلا يخمسها ولا يقسمها، ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامة، ما بقوا كما صنع عمر بالسواد، فعل ذلك.
فأما حكم الدور التي هي داخل السور فقد روي عن بنت واثلة قالت: سمعت رجلاً يقول لواثلة: أرأيت هذه المساكن التي أقطعها الناس يوم فتحوا مدينة دمشق أماضية هي لأهلها؟ قال: نعم. قال: فإن ناساً يقولون هي لهم سكنى، وليس لهم بيعها ولا إتلافها بوجه من الوجوه، من صدقة ولا مهر ولا غير ذلك. فقال واثلة: ومن يقول ذلك! بل هي لهم ملك ثابت، يسكنون، ويمهرون، ويتصدقون.
وأما القطائع فقد روي عن عامر قال: لم يقطع أبو بكر ولا عمر ولا علي، وأول من أقطع القطائع عثمان، وبيعت الأرضون في خلافة عثمان.