متنايف أفيح في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه، وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر بصعيد، كأن ترابه قطع الكافور حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب، وقد ضرب له سرادق من حبرة كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن، فيه أربعة أفرشة من خزٍ أحمر، مثلها مرافقها، وعليه دراعة من خز أحمر، مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم.
فأخرجت رأسي من ناحية السماط فنظر إلي مثل المستنطق لي. فقلت: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وسوغكها بشكره، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشداً، وعاقبة ما تؤول إليه حمداً أخلصه لك بالتقى وكثره لديك بالنماء، لا كدر عليك منه ما صفا، ولا خالط مسروره الردى، فقد أصبحت للمسلمين ثقة وملجأ، إليك يفزعون في مظالمهم، وإليك يلجؤون في أمورهم، وما أجد يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، شيئاً هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك لما من الله به علي من مجالستك، والنظر إلى وجهك من أن أذكرك نعمة الله عندك، فأنبهك على شكرها، وما أجد في ذلك شيئاً هو أبلغ من حديث من تقدم قبلك من الملوك، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته.
وكان متكئاً فاستوى قاعداً فقال: هات يا بن الأهتم. فقلت: يا أمير المؤمنين إن ملكاً من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر