السلام محياة بينكم وبين الناس. ومن خرق ستركم فارقعوه، ومن حاربكم فلا تغفلوه، وروا منه ما يرى منكم، واجعلوا عليه حدكم كله؛ ومن ترككم فاتركوه؛ ومن أسدى إليكم خيراً فلأأضعفوه له، وإلا فلا تعجزوا أن تكونوا مثله. وعلى كل إنسان منكم بالأقرب إليه، يكفي كل إنسان ما يليه؛ إذا التقيتم على حسب فلا تواكلوا فيه؛ وما أظهرتم من خير فاجعلوه كبيراً ولا يرى رفدكم صغيراً. ولا تنافسوا السؤدد، وليكن لكم سيد، فإنه لا بد لكل قوم من شريف. ومن كانت له مروءة فليظهرها، ثم قومه أعلم، وحسبه بالمروءة صاحباً. ووسعوا الخير وإن قل، وادفنوا الشر يمت. ولا تنكحوا دنيئاً من غيركم، فإنه عار عليكم. ولا يحتشمن شريف أن يرفع وضيعه بأياماه. وإياكم والفاحشة في النساء، فإنها عار أبد، وعقوبة غد. وعليكم بصلة الرحم فإنها تعظم الفضل، وتزين النسل؛ وأسلموا ذا الجريرة بجريرته؛ ومن أبى الحق فأعلقوه إياه؛ وإذا عنيتم بأمر فتعاونوا عليه تبلغوا، ولا تحضروا ناديكم السفيه؛ ولا تلحوا بالباطل فيلج بكم.
وفي ذكر قصة اجتماع هوازن لحرب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: وحضرها دريد بن الصمة، وهو يومئذ ابن ستين ومئة سنة، شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن به ومعرفته بالحرب، وكان شيخاً مجرباً، وقد ذهب بصره يومئذ؛ وجماع الناس ثقيف وغيرها من هوازن إلى مالك بن عوف النصري. فلما أجمع مالك المسير بالناس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الناس فجاؤوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم حنى نزلوا بأوطاس، واجتمع الناس به، فعسكروا وأقاموا به، وجعلت الأمداد تأتيهم من كل ناحية؛ ودريد بن الصمة يومئذ في شجار يقاد به على بعير، فمكث على بعيره، فلما نزل الشيخ لمس الأرض بيده فقال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس،