جوانبه، أرأيتم إن لم يلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم، ويفرشكم نساءهم، أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم ولك ذلك. قال: فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ". ثم نهض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قابضاً على يدي أبي بكر وهو يقول: يا أبا بكر! أية أخلاق في الجاهلية! ما أشرفها! بها يدفع الله عز وجل، ناس بعضهم من بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم.
قال: فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم.
مر نفر من الأنصار بدغفل النسابة بعدما ذهب بصره، فسلموا عليه، فقال: من أنتم؟ قالوا: أشراف أهل اليمن، قال: من أهل ملكها القديم وشرفها الصميم، كندة! قالوا: لا، قال: فمن الطوال قصباً والممحضين نسباً بني عبد المدان؟ قالوا: لا، قال: فمن أقودها للزحوف، وأخرقها للصفوف، وأضربها بالسيوف، بني زبيد رهط عمرو بن معد يكرب؟ قالوا: لا، قال: فمن أحضرها قراءً، وأطنبها فناءً، وأصدقها لقاءً، طيئ؟ قالوا: لا، قال: فمن الغارسين النخل، والمطعمين في المحل، والقائلين بالعدل، الأنصار؟ قالوا: نعم.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: جاء قوم من بني سعد بن زيد مناة تميم إلى دغفل النسابة، فسلموا عليه وهو مول ظهره للشمس في مشرقة له، فرد عليهم من غير أن يلتفت إليهم، ثم قال لهم: من القوم؟ قالوا: نحن سادة مضر، قال: أنتم إذاً قريش الحرم، أهل العز والقدم، والفضل والكرم، والرأي في البهم، قالوا: لسنا منهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً هوازن، أجرؤها فوارس، وأجملها مجالس؛ قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً سليم، فوارس عظاظها، ومناع أعراضها، قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟