يدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس، وقام أبو بكر يظله بثوبه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشاً قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد، فقال مفروق بن عمرو: إلام تدعونا يا أخا قريش، فوالله ما سمعت كلاماً أحسن من هذا؟ فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى قوله " فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " فقال مفروق: وإلام تدعو يا أخا قريش، فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض؟ قال: فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون ". فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا، فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش! وإني أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك بمجلس جلسته لينا ليس له أول ولا آخر، إنه زلل في الرأي وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة؛ ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً، ولكن ترجع ونرجع، وتنظر وننظر. وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى بن حارثة: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين ضرتين: اليمامة والشأمة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هاتان الضرتان؟ فقال: انهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول؛ وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور، وعذره مقبول؛ وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا: أن لا نحدث جدثاً، ولا نؤوي محدثاً؛ وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع