للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلين كلامه ويجوز أمنيته، أنزلني من الفردوس الأعلى إلى البرية، فألقيت في موضعي هذا لا يلتفت إلي مئتي سنة بخطيئة واحدة عملتها وهذا أثري، وهذه الأشجار نبتت من دموعي، وعلي في هذا الموضع أنزلت التوبة، فتوبوا إلى ربكم قبل أن تندموا، وقدموا قبل أن تقدموا، وبادروا قبل أن يبادر بكم والسلام.

قال: فنزل ذو القرنين فمسح جلوس آدم عليه السلام فإذا هو مئة وثمانون ميلاً، وعد الأشجار التي نبتت من دموع آدم عليه السلام فإذا هي سبع مئة شجرة. قال: فلما قتل هابيل قابيل جفت الأشجار وسال منها الماء الأحمر، فقال ذو القرنين للخضر: ارجع بنا، فوالله لا طلبت الدنيا بعدها ابداً.

وحدث قتادة عن الحسن: أن ذا القرنين كان يتفقد أمور ملوكه وعماله بنفسه، وكان لا يطلع على أحد منهم خيانةً إلا أنكر ذلك عليه، وكان لا يقبل ذلك حتى يطلع هو عليه نفسه. قال: فبينا هو يسير متنكراً في بعض المدائن، قال: فجلس إلى قاض من قضاتهم أياماً، لا يختلف إليه أحد في خصوم، فلما أن طال ذلك بذي القرنين ولم يطلع على شيء من أمر ذلك القاضي، وهم بالانصراف، إذا هو برجلين قد اختصما إليه، فادعى أحدهما فقال: أيها القاضي، إني اشتريت من هذا داراً عمرتها ووجدت فيها كنزاً، وإني دعوته إلى أخذه فأبى علي، فقال له القاضي: ما تقول؟ قال: ما دفنت ولا علمت به وليس هو لي ولا أقبضه منه، قال المدعي: أيها القاضي، مر من يقبضه فيضعه حيث أحببت، فقال القاضي: تفر من الشر وتدخلني فيه؟ ما أنصفتني، وما أظن هذا في قضاء الملك، فقال القاضي: هل لكما في أمر أنصف مما دعوتماني إليه؟ قالا: نعم، قال للمدعي: ألك ابن؟ قال: نعم، وقال للآخر: ألك أمة؟ قال: نعم، قال: اذهبا فزوج ابنتك من ابن هذا وجهزوهما من هذا المال، وادفعوا فضل ما بقي إليهما يعيشان به، فتكونا قد صليتما بخيره وشره. فعجب ذو القرنين حين سمع ذلك، ثم قال للقاضي: ما ظننت أن في الأرض أحداً يفعل مثل هذا، أو قاض يقضي بمثل هذا! فقال القاضي وهو لا يعرفه: فهل أحد يفعل غير هذا؟ قال ذو القرنين: نعم، قال القاضي: فهل تمطرون في بلادكم؟ فعجب ذو القرنين من ذلك فقال: بمثل هذا قامت السماوات والأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>