بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه فلان الكفيل على الله لكنعان الملك، ثقةً منه بالله أن لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولكنعان على الله بكفالة فلان إن تاب ورجع، وعبد الله أن يدخله الجنة، ويثويه منها حيث يشاء، وإن له على الله ما لأوليائه، وأن يجيره من عذابه، فإنه رحيم بالمؤمنين، واسع الرحمة، سبقت رحمته غضبه ".
ثم ختم على الكتاب ودفعه إليه، ثم قال له الملك: أرشدني كيف أصنع؟ قال: قم فاغتسل والبس ثياباً جدداً، ففعل؛ ثم أمره أن يتشهد بشهادة الحق وأن يتبرأ من الشرك، ففعل؛ ثم قال: كيف أعبد ربي؟ فعلمه الشرائع والصلاة؛ ثم قال له: يا ذا الكفل، استر هذا الأمر ولا تظهره حتى ألحق بالنساك. قال: فخلع الملك وخرج سراً فلحق بالنساك، فجعل يسيح في الأرض. وفقده أهل مملكته وطلبوه؛ فلما لم يقدروا عليه قال: اطلبوا ذا الكفل فإنه هو الذي غر إلهنا؛ قال: فذهب قوم في طلب الملك، وتوارى ذو الكفل؛ فقدروا على الملك على مسيرة شهر من بلادهم، فلما نظروا إليه قائماً يصلي خروا له سجداً، فانصرف إليهم فقال: اسجدوا لله عز وجل ولا تسجدوا لأحد من الخلق، فإني آمنت برب السماوات والأرض والشمس والقمر. فوعظهم وخوفهم. قال: فعرض له وجع وحضره الموت فقال لأصحابه: لا تبرحوا فإن هذا آخر عهدي بالدنيا، فإذا مت فادفنوني؛ وأخرج كتابه فقرأه عليهم حتى حفظوه وعلموا ما فيه، وقال لهم: هذا كتاب كتب لي على ربي أستوفي منه ما فيه، فادفنوا هذا الكتاب معي. قال: فمات، فجهزوه ووضعوا الكتاب على صدره ودفنوه. فبعث الله عز وجل ملكاً فجاء به إلى ذي الكفل فقال: يا ذا الكفل، إن ربك قد وفى لكنعان بكفالتك، وهذا الكتاب الذي كتبته له، وإن الله يقول: إني هكذا أفعل بأهل طاعتي. فلما أن جاءه الملك بالكتاب ظهر للناس، أخذوه فقالوا: أنت غررت ملكنا وخدعته؛ فقال لهم: لم أغره ولم أخدعه، ولكن دعوته إلى الله وتكفلت له بالجنة، وقد مات ملككم اليوم في ساعة كذا وكذا، ودفنه أصحابكم، وهذا الكتاب الذي كنت كتبته له على الله الوفاء، وقد أوفاه الله حقه، وهذا الكتاب تصديق لما أقول لكم، فانتظروا حتى يرجع أصحابكم؛ فحسبوه حتى قدم أصحابهم، فسألوهم فقصوا عليهم القصة؛ فقالوا لهم: تعرفون الكتاب الذي دفنتموه معه؟ قالوا: نعم، فأخرجوا الكتاب فقرأوه،