وعبيد الله قائم على رأسه، متكئ على السيف؛ وعرفت في وجوه القوم الشر، ففتح لي باب فقلت في نفسي: يا من ليس في السماوات قطرات، ولا في البحار قطرات، ولا في ذيل الرياح دلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في قلوب الخلائق خطرات، ولا في أعضائهم حركات، ولا في عيونهم لحظات إلا وهي ساهرات، وعليك دالات وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات؛ فبالقدرة التي تحير بها من في الأرضين ومن في السماوات إلا صليت على محمد وعلى آل محمد وأخذت قلبه عني. قال: فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني ثم قال: أتعبناك يا أبا الفيض، إن تشأ أن تقيم عندنا فأقم، وإن تشأ أن تنصرف فانصرف. فاخترت الانصراف.
قال يوسف بن الحسين: سئل ذو النون المصري عن معنى قوله عز وجل: " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "؟ قال: معناه: هل جزاء من أحسنت إليه إلا أن أحفظ إحساني عليه، فيكون إحساناً إلى إحسان.
وكان ذو النون يقول: ثلاثة من أعلام اليقين: النظر إلى الله في كل شيء؛ والرجوع إليه في كل شيء؛ والاستعانة به في كل حال.
قال أبو الحسين المهلبي: قال ذو النون: علامة السعادة للعبد ثلاث: متى زيد في عمره نقص من حرصه؛ ومتى ما زيد في ماله زاد هو في سخائه وبذله؛ ومتى ما زيد في قدره زاد في تواضعه. وعلامة الشقاء ثلاث: متى ما زيد في عمره زيد في حرصه؛ ومتى ما زيد في ماله زيد في بخله؛ ومتى ما زيد في قدره زيد في تجبره وكبره.
وكان يقول: من وثق بالمقادير لم يغتم. وقال: من عرف الله رضي بالله وسر بما قضى الله.
وقال ذو النون: ما أعز الله عبداً بعز هو أعز له من أن يدله على ذل نفسه، وما أذل الله عبداً بذل هو أذل له من أن يحجبه عن ذل نفسه.