للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنه. فلما مات صداد أخبرت السوداء ابنها أنه من صداد، فخرج الغلام حتى أتى ملكاً من ملوك اليمن، فذكر له أمره، وأتاه بعمه وامرأة أبيه فشهدا، فقالت الكندية: إنما شهدا للعداوة؛ فبعث الملك إلى سطيح الكاهن، وخبأ له ديناراً بين قدمه ونعله - فلما دخل إليه قال له: إني قد خبأت لك شيئا فأخبرني به، فقال سطيح: أحلف بالبلد المحرم والحجر الأضم، والليل إذا أظلم، والنهار إذا ابتسم، وكل فصيح وأعجم، لقد خبأت ديناراً بين نعل وقدم. قال: فأخبرني مع من هو؟ قال: أحلف بالشهر الحرام، وبالله محيي العظام، وبما خلق من النسام، إنه لتحت قدم الملك الهمام. قال: فأخبرني لم أرسلت إليك؟ قال: أرسلت إلي تسألني عن ابن السوداء ومن أبوه من الآباء، وقد برح الخفاء، وأبوه صداد بن أسماء، لا شك فيه ولا مراء، فألحقه الملك بأبيه وورثه. قال الملك: يا سطيح؛ ألا تخبرني عن علمك هذا؟ قال: إن علمي ليس مني، ولا بحزم ولا بظني، ولكن أخذته من أخ لي جني، قد سمع الوحي بطور سني. قال الملك: أرأيت أخاك هذا الجني، أهو معك لا يفارقك؟ قال: إنه ليزول حيث أزول، فلا أنطق إلا بما يقول. قال له الملك: فهل من خبر تخبرنا به؟ قال: نعم، عندي خبر طريف: شهرككم هذا خريف، والقمر فيه كسيف، ويأتي غداً سحاب كثيف، فيملأ البر والريف. فكان كما قال.

وأخبار سطيح كثيرة، والمشهور من أمر سطيح أنه كان كاهناً، وقد أخبر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن نعته ومبعثه.

وروي أنه عاش سبع مئة سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم. وروي انه هلك عندما ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وأخبر بذلك ابن أخته عبد المسيح بن حيان بن بقيلة. وقد أوفده إليه كسرى أنوشروان، لارتياعه من أمور ظهرت عند مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمره أن يسأل خاله سطيحاً عنها ويستعلم منه تأويلها. وذكر عبد المسيح أنه أنبأه بذلك، ونعى غليه نفسه، ثم قضى مكانه.

قال الحافظ ابن عساكر: وروي لنا من بعض الطرق، بإسناد الله به أعلم، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن سطيح فقال: نبي ضيعه قومه، وهو مشهور عند العرب، يذكرون سجعه وكهانته، ويضربون المثل بعلمه وصدقه فيما يخبر به.

وقد قال الأعشى يذكر زرقاء اليمامة لما أخبرت أهل اليمامة برؤيتها ما رأت من مكان

<<  <  ج: ص:  >  >>