فكأنما قد به عنصلة، ودفع إلى الفرزدق أسيراً، ودست إليه بنو عبس سيفاً كليلاً، فضرب عنق أسيره فلم يحصص منه شعرة، فضحك سليمان والناس، وألقى السيف وعلم أنه قد كيد. وقال جرير:
بسيف أبي رعوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا: محدث غير صارم
فقال الفرزدق:
لا نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذا أثقل الأعناق حمل العمائم
وهل ضربة الرومي جاعلة لكم ... غنىً عن كليب أو أباً مثل دارم؟
قال رؤبة بن العجاج: أتيت النسابة البكري فقال لي: من أنت؟ قلت: ابن العجاج، قال: قصرت وعرفت، لعلك كأقوام يأتوني، إن سكت عنهم لم يسألوني، وإن حدثتهم لم يعوا عني؟ قلت: أرجو أن لا أكون كذلك، قال: فما أعداء المروءة؟ قلت: تخبرني، قال: بنو عم السوء، إن رأوا صالحاً دفنوه، وإن رأوا شراً أذاعوه، قال: ثم قال: إن للعلم آفةً ونكداً وهجنةً، فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه، وهجنته نشره في غير أهله. قال: ثم وضع يده على صدره فقال: ترون تابوتي هذا، ما جعلت فيه شيئاً قط إلا أداه إلي.
دخل رؤبة بن العجاج على سليمان بن علي بالشبكة، فقال له سليمان: ما عندك للنساء يا أبا الجحاف؟ فقال: أجده يمثد ولا يشتد، وأرده فيرتد، وأستعين عليه أحياناً باليد، ثم أورده فأقضب، فشكا سليمان نحواً من ذلك، فقال رؤبة: بأبي أنت، ليس ذلك عن السن، إنما ذلك لطول الرغاث.