منكسراً؛ قال: وتساقط جلد أيوب وتناثر لحمه، وجرى الدود بين الجلد والعظم، وانقطع عنه ما كان فيه من نعيم الدنيا، فكانت امرأته تتصدق الكسرة واللقمة فتطعمه إياه، وتطحن للناس بيدها وتأخذ بأجرها طعاماً؛ فلم تزل على ذلك لا يغيرها عن حالها لأيوب من طول البلاء.
فجعل إبليس يجمع المردة من أصحابه، ويطوف المشارق والمغارب يطلب المكيدة لأيوب، لا يقدر على شيء يعلم أنه يصل إلى مكايدته إلا أتاه، حتى أعياه ذلك؛ فأتاه من قبل النصيحة والطب، فجعل يختلف إليه في صورة رجل مسافر يعرض عليه أنواع المعاصي بسبب الطب، فلا يجيبه أيوب إلى شيء، فانطلق الخبيث إلى ثلاثة إخوة لأيوب كانوا مصافين له، يحبونه في الله، فقال لهم: هل تعلمون ما نزل بأخيكم أيوب؟ قالوا: لا، فقص عليهم قصة أيوب، فقال لهم: أرى لكم أن تنطلقوا إليه بطعام، فإن امرأته تتصدق، واحملوا إليه خمراً فإن شفاءه فيها؛ فانطلقوا حتى إذا دنوا منه ولم تستطع دوابهم أن تدنو منه لنتن ريحه، وما قد تغير من لونه، ولم يبق من أيوب غير العينين ينظر بهما إلى السماء.
وعن ابن عباس: أن إبليس حين أيس من أيوب جمع المردة فقال: ويلكم! أين مكركم وكيدكم الذي كنتم تضلون به بني آدم؟ قالوا: يا سيدنا، قد اضمحل ذلك كله، إنما بقيت واحدة، أن تأتيه من قبل امرأته، فلعل هي أن تخدعه وهو يرق لها فتظفر بحاجتك منه. فانطلق إبليس فجلس لها على طريقها فقال لها: يا رحمة، أين المال؟ أين البنيان؟ أين النعيم؟ أين السعة؟ أين الخدم؟ أين الولد؟ فبكى معها وبكت، فقال لها: ما تستطيعين أن تكلميه أن يشرب شربةً من خمر، فإن فيها شفاءه، ثم يتوب؟ قال: وسوس إليها وجرى منها مجراه من ابن آدم؛ فانطلقت محمارةً وجنتاها، يرعد كل مفصل منها حتى جلست بين يدي أيوب فقالت: يا أيوب، أين المال؟ أين السعة؟ أين الولد؟ أين الخدم؟ ألا تنظر إلى ما صرنا إليه، إنما هي شربة ثم تتوب، فنظر إليها فقال: لعن الله من وسوس إليك! ومن علمك هذا؟ لله علي إن عوفيت لأجلدنك مئة جلدة عقوبةً