فأصبحت يوماً وقد اشتد بأيوب البلاء حتى ما يقدر على المنطق، وذهل عنه أهل المصلى فقالوا: هذا المبتلى سبع سنين على الكساحة وسبعة أشهر وسبعة أيام، وقد أغفلنا لا نتعاهده، انطلقوا بنا نتعاهده ونسلم عليه ونسأله أله حاجة؟ فأقبلوا بجماعتهم، وغدت امرأته حتى تقضي ما تطلب له، وبقي وحده، وانتهوا إليه فلم يستطيعوا يدنون منه ساعةً ولا يسمعونه، قالوا: فكيف نصنع، نرجع؟ فقال بعضهم: أغفلناه هذه السنوات، فلما جئناه ورأيناه ورآنا ننصرف ولا نكلمه؟! فقال بعضهم: نضع ثيابنا على أنفنا وندنو منه فنكلمه، ثم ننصرف عنه، ونعر ض عليه الحاجة؛ قال: فأخذوا على أنفهم ودنوا منه حيث يسمعونه الكلام، فلما رأوه عاينوا عظيماً لم يروه قبل ذلك في أحد، حتى رأوا الدواب تخترق فيه، فقال رجل: يا أيوب، لو علم الله فيك خيراً لم يبتلك بما نرى، وانصرفوا عنه راجعين. قال: فعرض لربه بالدعاء فقال: " أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " قال: ونزل عليه جبريل، فخرق له الأرض بجناحيه، فنبعت له عينان، فقال: يا أيوب، اشرب من هذه واغتسل في هذه؛ قال: فشرب واغتسل، فإذا أيوب أحسن ما كان صورةً وأتمه، ونهض عنه جبريل. قال: ففكر أيوب في بلاء امرأته عنده وحسن صنيعها إليه وصبرها عليه، قال: لا أبرح حتى تجيء؛ قال: فقعد في فيء شيء، وأقبلت امرأته من حاجتها ولم تره، فانطلقت والهةً إلى القرية تسعى ثم عادت والهةً لا تعقل، ومرت بأيوب فقالت: يا عبد الله، هل رأيت ذاك المبتلى الملقى على الكساحة؟ قال: يقول لها أيوب: وماذا تخشين عليه؟ قالت: صدقت، ولكن أخشى أن يكون كلب أو سبع اجتره، قال: فما تمالك أيوب أن بكى وقال: هل تعرفينه لو رأيته؟ فنظرت إليه فقالت: والله إنك لأشبه خلق الله به إذ كان صحيحاً، قال: فأنا أيوب، قالت: أنت أيوب! قال: أنا أيوب، ألم أخبرك أن الله أراد أن يتم نعمته علي، قال: فرجع إلى محرابه.
وحكى وهب بن منبه قال: قال إبليس لامرأة أيوب: بم أصابكم ما أصابكم؟ قالت: بقدر الله، قال: وهذا أيضاً! فاتبعيني، فأراها جميع ما ذهب منهم في واد، فقال: اسجدي لي وأرد