فلا ينكره. ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه. قالت: ثم لطفت بي وكانت التي جهزتني، وكانت كلما دخلت علي تقول: لا تنسي حاجتي إليك. قالت: فلما قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقرأته منها السلام فقال: وعليها السلام ورحمة الله وبركاته.
ولما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته قال: ذاك الفحل لا يقرع أنفه.
ولما قدمت أم حبيبة أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً فأخذ بخطام بعيرها، فأنزلها المنزل الذي أمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فيه كناسة، فقالت لمولاة لها أو مولاة لأبيها: إن شئت كفيتني السقي وكنست، وإن شئت استقيت وكنست؛ قال: فكنست البيت ثم بسطت فيه بساط شعر، ثم بسطت عليه شيئاً ثم انتبذت، ثم أذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدخول على أهله. فلما دخل عليها فوجد ريح الطيب، قال: إنهن قرشيات بطاحيات، قرويات، ليس بأعرابيات ولا بدويات.
وعن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا نبي الله، ثلاث أعطنيهن، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجملهن أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم. قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم. قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئاً إلا قال: نعم.
وهذا الحديث في قصة أم حبيبة قد أجمع أهل المغازي على خلافه، فإنهم لم يختلفوا في أن تزويج أم حبيبة كان قبل رجوع جعفر بن أبي طالب وأصحابه من أرض الحبشة، وإنما رجعوا من خيبر؛ فتزويج أم حبيبة كان قبله، وإسلام أبي سفيان زمن فتح مكة بعد نكاحها بسنتين أو ثلاث، فكيف يصح أن يكون تزويجها بمسألته؟ وفيه اختلاف.