صعد المنبر، فسلم على أمير المؤمنين وعلى من حضره، ثم خطب، فلما فرغ من خطبته دفعت الصينية إلى محمد بن عمران، ونثر شفيعٌ صواني الجوهر على من في الإيوان، ونثر الخدم الذين كانوا في الرواق والصحن ما كان معهم من العين والورق، وأقام المتوكل ببركوار أياماً، في يوم منها دعته قبيجة فيقال: إنه لم ير يوم مثله سروراً وحسناً وكثرة نفقةٍ، وإن الشمع كله كان عنبراً إلا الشمعة التي في الصحن، فإنه كان وزنها ألف مناً، فكادت تحرق القصر، ووجد من حرها من كان في الجانب الغربي من دجلة.
وقد كان أمر المتوكل أن يصاغ له سريران: أحدهما ذهبٌ والآخر فضة، وبفرش السرير الفضة ببساط حب، وبردعة حب، ووسادتي حب، ومخدتي حب، ومسند حب منظوم على ديباج أسود، وكان طول السرير تسعة أذرع.
قال: فأخرج من خزانة الجوهر حب عمل له ذلك، فكان أرفع قيمة الحبة ديناراً وأقل القيمة درهماً، فاتخذ ذلك. وأمر بفرش السرير الذهب بمثل فرش السرير الفضة منقوشاً بأنواع الجوهر الأحمر والأخضر والأصفر والأنواع، ففرشا فقعد عليهما هو وقبيجة، ثم وهبهما لها.
قال علي بن حرب الطائي: دخلت على المعتز بالله فما رأيت خليفة كان أحسن وجهاً منه، فلما رأيته سجدت. فقال: يا شيخ! تسجد لأحد من دون الله!؟ قلت: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل بسنده عن أبي بكرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى ما يفرح به، أو بشر بما يسره سجد شكراً لله عز وجل.
قال أبو العيناء: دخل ابن السكيت على المعتز، وكان يؤدبه وله عشر سنين، فقال: بأي شيء تحب أن أبتدىء الأمير من العلوم؟ فقال: بالانصراف. قال: أنا أخف نهوضاً منك. فوثب فعثر بسراويله، فالتفت فقال: من الطويل: