للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل

فخبر بها المتوكل، فأمر لابن السكيت بخمسين ألف درهم. قال أبو العيناء: وإنما فعل ذلك المتوكل ليستر عوار ابنه في سوء أدبه على معلمه.

قال أحمد بن بديل الكوفي القاضي: بعث إلي المعتز رسولاً بعد رسول، فلبست كمتي، ولبست نعل طاق، فأتيت بابه، فقال الحاجب: يا شيخ نعليك. فلم ألتفت إليه. ودخلت الباب الثاني، فقال الحاجب: نعليك. فلم ألتفت إليه، فدخلت إلى الباب الثالث، فقال: يا شيخ نعليك! فقلت: أبالوادي المقدس أنا، فأخلع نعلي!؟ فدخلت بنعلي، فرفع مجلسي، وجلست على مصلاة، فقال: أتعبناك أبا جعفر. فقلت: أتعبتني وأذعرتني، فكيف بك إذا سئلت عني؟ فقال: ما أردنا إلا الخير، أردنا نسمع العلم. فقلت: وتسمع العلم أيضاً؟ ألا جئتني؟ فإن العلم يؤتى ولا يأتي. قال: تعبت أبا جعفرٍ؟ فقلت له: خلبتني بحسن أدبك، اكتب.

قال: فأخذ الكاتب القرطاس والدواة، فقلت له: أتكتب حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قرطاس بمداد؟ قال: فبم نكتب؟ قلت: في رق بحبرٍ. فجاؤوا رقٍّ وحبرٍ، فأخذ الكاتب يريد أن يكتب، فقلت: اكتب بخطك، فأومى إلي أنه لا يكتب، فأمليت عليه حديثين أسخن الله بهما عينيه.

فسأله ابن البنا أو ابن النعمان: أي حديثين؟ فقال: قلت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استرعي رعيةً فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة ".

والثاني: " ما من أمير عشرة إلا يوتى به يوم القيامة مغلولاً ".

قال عمر بن محمد بن عبد الملك، قعد المعتز، ويونس بن بغا بين يديه، والجلساء، والمغنون حضورٌ، وقد أعد الخلع والجوائز، إذ دخل بغا فقال: يا سيدي والدة عبدك يونس في الموت، وهي تحب أن تراه، فأذن له. فخرج، وفتر المعتز بعده، ونعس، وقام

<<  <  ج: ص:  >  >>