فقال النعمان: هذا بيت إن أنت لم تتبعه ما يوضح معناه فهو إلى الهجاء أقرب منه إلى المدح. فأراد ذلك النابغة، فعسر عليه، فقال: أجلني، فقال: قد أجلتك ثلاثاً. فإن أنت أتبعته ما يوضح معناه فلك مئةٌ من العصافير نجائب. وإلا فضربةٌ بالسيف أخذت منك ما أخذت. فأتى النابغة زهير بن أبي سلمى فأخبره الخبر، فقال زهير: اخرج بنا إلى البرية، فإن الشعر بريٌّ. فخرجا، وتبعهما ابن لزهير يقال له كعب، فقال: يا عم، اردفني. فصاح به أبوه، فقال: دع ابن أخي يكون معنا، فأردفه، فتحاولا البيت ملياً، فلم يأتهما ما يريدان، فقال كعب: يا عم، ما يمنعك أن تقول:
وذاك بأن حللت العز منها ... فتعمد جانبيها أن يميلا
قال النابغة: جاء بها ورب البيت، لسنا والله في شيء، قد جعلت لك يا بن أخي ما جعل لي. قال: وما جعل لك يا عم؟ قال: مئة من العصافير نجائب. قال: ما كنت لآخذ على شعري صفداً. فأتى بها النابغة النعمان، وأخذ منه مئة ناقة سوداء الحدقة.
دخل يزيد بن مزيد على الرشيد، فقال له: يا يزيد، من الذي يقول فيك: من البسيط
لا يعبق الطيب كفيه ومفرقه ... ولا يمسح عينيه من الكحل
قد عود الطير عاداتٍ وثقن بها ... فهن يتبعنه في كل مرتحل
قال: لا أدري يا أمير المؤمنين. قال: أفيقال فيك مثل هذا الشعر ولا تعرف قائله؟ فانصرف خجلاً، فقال لحاجبه: من بالباب من الشعراء؟ فقال: مسلم بن الوليد. قال: ومنذ كم هو بالباب؟ قال: مذ زمان طويل، منعته من الوصول إليك لما عرفته من إضاقتك. قال: أدخله. فدخل فأنشده: من البسيط
أجررت حبل خليعٍ في الصبا عزل ... وقصرت همم العذال عن عذلي