وكان أبو طالب يقرب إلى الصبيان بصحيفتهم أول البكرة فيجلسون وينتهبون ويكف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده لا يبتهب معهم. فلما رأى ذلك عمه عزل له طعامه على حدة. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون مع آمنة بنت وهب، فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه ويدخل عليه إذا خلا أو نام. وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك: دعوا ابني إنه ليؤنس ملكاً.
وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدماً أشبه بالقدم التي في المقام فيه، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به. فقال عبد المطلب لأم أيمن وكانت تحضن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بركة لا تغفلي عن ابني فإني وجدته مع عثمان قريباً من السدرة، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة. فكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا قال: علي بابني فيؤتى به إليه، فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحياطته، ومات عبد المطلب فدفن بالحجون.
وقبض أبو طالب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يكون معه:
وكان أبو طالب لا مال له، وكان يحبه حباً شديداً لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج فيخرج معه، وصب به أبو طالب صببابة لم يصب مثلها بشيء قط، وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبعوا، فكان إذا أراد أن يغديهم قال: كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأكل معهم، فكانوا يفضلون من طعامهم، وأن لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبو طالب: إنك لمبارك.
وعن حليمة بنت الحارث أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السعدية التي أرضعته قالت: خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة على أتان لي قمراء