وكان سري يقول: أحب أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعةٌ، ولا لمخلوق علي فيها منة، فما أجد إلى تلك سبيلاً.
قال ابن أبي الورد: دخلت علي سري السقطي وهو يبكي ودورقه مكسورٌ، فقلت له: ما بالك؟ قال: انكسر الدورق، فقلت: أنا أشتري لك بدله. فقال لي: تشتري بدله! وأنا أعرف من أين الدانق الذي اشتري به الدورق، ومن أين طينه، وإيش أكل عامله حتى فرغ من عمله؟ قال السري: رجعت مرة من بعض المغازي فرأيت في طريقي قفيزاً مملوءاً ماءً صافياً وحوله عشب من حشيش، فدنوت فقلت في نفسي: يا سري، إن كنت يوماً أكلت أكلة حلالٍ وشربت شربة حلالٍ فاليوم. فنزلت عن دابتي فأكلت من ذلك الحشيش، وشربت من ذلك الماء، فهتف بي هاتف، سمعت الصوت، ولم أر الشخص: يا سري بن المغلس، فالنفقة التي بلغتك إلى ههنا من أين هي!؟ وفي حديث آخر: فعلمت أني في لا شيء.
قال سري بن المغلس: اتصل من اتصل بالله أربعة، وانقطع من انقطع عن الله بخصلتين، فأما الأربع التي اتصل بها المتصلون فلزوم الباب، والتشمير في الخدمة، والنظر في الكسرة، وصيانات الكرامات إذا وهب لك شيئاً لا يحب أن يطلع عليه غيره. وأما الخصلتان اللتان انقطع بهما المنقطعون فتخط إلى نافلة بتضييع الفريضة، والثانية عمل بظاهر الجوارح ولم يعط عليه صدق القلوب.
قال سري بن مغلس: أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وعفاف الطعمة، وحسن الخليقة.