قال أبو الطيب: قال لي علان: وإيش يتعجب من هذا؟ اشترى منه كر لوزٍ بستين ديناراً، وكتب في رزمانجه ثلاثة دنانير ربحه، فصار اللوز بتسعين ديناراً، فأتاه الدلال وقال له: إن ذلك اللوز أريده. فقال له: خذه. قال: بكم؟ قال بثلاثة وستين ديناراً. فقال له الدلال: إن اللوز قد صار الكر بتسعين. قال له: قد عقدت بيني وبين الله عقداً لا أحله، ليس أبيعه إلا بثلاثة وستين ديناراً. فقال له الدلال: إني قد عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلماً، لست آخذه منك إلا بتسعين، فلا الدلال اشترى منه، ولا سري باعه.
قال أبو الطيب: قال لي علان: كيف لا يستجاب دعاء من كان هذا فعله؟ قال الجنيد: دخلت على السري يوماً فقال: لي عصفورٌ كان يجيء كل يوم فأفت له الخبز فيأكل من يدي، فنزل وقتاً من الأوقات فلم يسقط على يدي، فتذكرت في نفسي أي شيءٍ السبب، فذكرت أني أكلت ملحاً بأبزار، فقلت في نفسي: لا آكل بعدها، وأنا تائب منه. فسقط على يدي فأكل.
وفي حديث آخر بمعناه: ففكرت في سري: ما العلة في وحشته مني؟ فوجدتني قد أكلت ملحاً طيباً، فقلت في نفسي: أنا تائب من الملح الطيب. فسقط على يدي فأكل وانصرف.
قال أبو محمد الجريري:
دخلت يوماً على سري السقطي وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: جاءتني البارحة الصبية فقالت لي: يا أبه، هذه الليلة حارةٌ، وهذا الكوز فيه ماء، هو ذا أعلقه ههنا، فإذا برد فاشربه. قال: فعلقته، وقمت إلى أمر كنت أقوم إليه، فحملتني عيناي فنمت، فرأيت كأن جارية من أحسن الخلق نزلت من السماء، وإذا الدنيا قد أشرقت لحسن وجهها، وعليها قميص فضة يتخشخش، وكأني أقول لها: لمن أنت يا جارية؟ قالت: أنا