قال الجنيد: كنت يوماً عند السري، وكنا جالسين، وهو متزرٌ بمئزرٍ، فنظرت إلى جسده كأنه جسد سقيمٍ دنفٌ مضنى كأجهد ما يكون، فقال: انظر إلى جسدي هذا! لو شئت أن أقول: إن ما بي هذا من المحبة كان كما أقول. وكان وجهه أصفر، ثم أشرق حمرةً حتى تورد، ثم اعتل، فدخلت عليه أعوده، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: من الخفيف
كيف أشكو إلى طبيبي ما بي ... والذي بي أصابني من طبيبي
فأخذت المروحة أروحه، فقال لي: كيف يجد روح المروحة من جوفه يحترق من داخل؟ ثم أنشأ يقول: من البسيط
القلب محترقٌ والدمع مستبق ... والكرب مجتمعٌ والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له ... مما جناه الهوى والعشق والقلق
يا رب إن كان شيءٌ فيه لي فرجٌ ... فامنن علي به ما دام بي رمق
قال الجنيد: قال لي ليلة السري بين المغرب وعشاء الآخرة: احفظ عني هذا الكلام. ثم قال: الشوق والوله يترفرفان على القلب، فإن وجدا فيه الحياء والأنس أوطنا، وإلا رحلا. احفظ هذا الكلام يا غلام لئلا يضيع.
وقال في حديث آخر: احفظ عني يا غلام، إن المعرفة ترفرف على القلب، فإن كان فيه الحياء، وإلا رحلت.
قال الجنيد: دخلت على سري السقطي رحمه الله في يوم صائف، فإذا الكوز الذي يشرب به في الشمس! فقلت: يا سيدي، الكوز في الشمس. قال: صدقت يا أبا القاسم، في الفيء كان، فجاءت الشمس إليه، فدعتني نفسي إلى أن أنقله إلى الفيء، فاستحييت من الحق تعالى أن أخطو خطوة يكون لنفسي فيها راحة.