وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: لما قدم عمر بن الخطاب الشام تلقاه أمراء الأجناد والدهاقين، وعمر على جملٍ عليه رحل رثةٌ، مئثرته مسك جدي، فأتى على نهر فنزل عن بعيره وأخذه بخطامه وخطامه من ليفٍ فرفع ثوبه على ساقيه، فأخاض بعيره فقال له بعض من معه: يا أمير المؤمنين، قد أعدت لك مراكب وكسوةٌ، فلو ركبت بعض تلك المراكب ولبست بعض تلك الكسوة كانت أرعب للعدو وأبعد في الصوت. فقال: أنتعزز بغير ما أعزنا الله به!؟ قال: ثم قام خطيباً فقال:
إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فينا مقامي فيكم فقال: أحسنوا إلى أصحابي والذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل وما استحلف، ويشهد وما استشهد، فمن سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإياكم وحديث النساء، وأن لا يخلو بهن إلا محرم، فإنه لا يخلو رجل بامرأة ليست له بمحرم إلا كان ثالثهما الشيطان، ومن ساءته سيئته وسرته حسنته فذلك المؤمن.
وعن أبي سعيد الخدري قال: عهد إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا أعرفن رجلاً منكم علم علماً فكتمه فرقاً من الناس " قال: فحملني ذلك إلى أن سرت إلى معاوية فقلت: ما بالكم تأخذون الصدقة على غير وجهها، ثم تضعونها في غير أهلها؟ فقال: مه يا أبا سعيد! قلت: وما بالكم يكون لكم الأولاد فتؤثرون بعضهم على بعض والله يوصيكم في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين!؟ قال: فدعا كاتبه وكتب بها إلى الآفاق ونهى عن الأولى.
وعن الحسن قال: دخل أبو سعيد الخدري على معاوية فسلم، ثم جلس فقال: الحمد لله الذي أجلسني منك هذا المجلس، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقو: لا يمنعن أحدكم، إذا رأى الحق أو علمه، أن يقول به، وإنه بلغني عنك يا معاوية كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا. قال: فعدد عليه أشياء من فعاله، ومما بلغه عنه، فقال له معاوية: أفرغت؟ قال: نعم. قال: فانصرف، فخرج أبو سعيد من عنده وهو يقول: الحمد لله، الحمد لله.