للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل الذي بلغت، فوقعوا بك في بحر لا يدرك قعره، وفي بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا ولك ولهم المستعان.

اعلم أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله على يدي أوليائه لأوليائه: الخامل ذكرهم، الخافية شخوصهم، ولقد جاء نعتهم على لسان سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة. فهؤلاء أولياء الله الذين قال الله عزّ وجلّ: " أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون " وجاه يجريه الله على يدي أعدائه لأوليائهم، ومقة يقذفها الله في قلوبهم لهم، فيعظمهم الناس تعظيم أولئك لهم، ويرغب الناس فيما في أيديهم كرغبة أولئك فيه إليهم " أولئك حزب الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون " ما أخوفني أن تكون لمن ينظر كمن عاش مستوراً عليه في دينه، مقتورا عليه في رزقه، معزولة عنه البلايا، مصروفة عنه الفتن في عنفوان شبابه، وظهور جلده وكمال شهوته، فعني بذلك دهره، حتى إذا كبرت سنه، ودق عظمه، وضعفت قوته، وانقطعت شهوته ولذته فتحت الدنيا عليه الدنيا شر مفتوح، فلزمته تبعتها، وعلقته فتنتها، وأعشت عينيه زهرتها، وصفت لغيره منفعتها، فسبحان الله، ما أبين هذا الغبن، وأخسر هذا الأمر. فهلا إذ عرضت لك فتنتها ذكرت أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في كتابه إلى سعد " حين خاف عليه مثل الذي وقعت فيه عندما فتح الله على سعد - أما بعد. فاعرض عن زهرة ما أنت فيه حتى تلقى الماضين الذين دفنوا في أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، لم تفتنهم الدنيا ولم يفتنوا بها، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا. فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنك، ورسوخ علمك، وحضور أجلك، فمن يلوم الحدث في سنه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله؟ إنا لله وإنا إليه لراجعون. على من المعول، وعند من المستعتب؟ نحتسب عند الله مصيبتنا، ونشكو إلى الله بثّنا، وما نرى منك، ونحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>