للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جعلك بدينه في الناس بخيلا، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته ستيراً، وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تكون منه قريباً، ما لك لا تنتبه من نعستك، وتستقل من عثرتك، وتقول: والله ما قمت لله مقاماً واحداً أحيي له ديناً، ولا أميت له فيه باطلاً، إنما شكرك لمن استحملك كتابه، واستودعك علمه، ما يؤمنك أن تكون من الذين قال الله عزّ وجلّ: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب، يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا " الآية. إنك لست في دار مقام، قد أوذنت بالرحيل، ما بقاء المرء بعد أقرانه، طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده، إنك لم تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك، ليس أحد أهلاً أن تردفه على ظهرك، ذهبت اللذة، وبقيت التبعة، ما أشقى من سعد بكسبه غيره، أحذر قد أنبئت، وتخلص فقد وهلت، إنك تعامل من لا يجهل والذي يحفظ عليك لا يغفل. تجهز فقد دنا منك سفر وداو دينك فقد دخله سقم شديد، ولا تحسبن أني أردت توبيخك أو تعييرك وتعنيفك، ولكني أردت أن تنعش ما فات من رأيك، وترد عليك ما عزب عنك من حلمك، وذكرت قول الله تعالى: " وذكر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين ". أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب، فانظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت له، أو ادخلوا في مثل ما دخلت فيه؟ وهل تراه ذخر لك خيراً منعوه، أو علمك شيئاً جهلوه؟ بل جهلت ما ابتليت به في حالك في صدور العامة، وكلفهم بك أن صاروا عندك، ولكريم إكبارهم عليك؟ ورغبتهم فما في يديك ذهاب عماهم، وغلبة الجهل عليك وعليهم، وطلب حب الرئاسة، فطلبوا الدنيا منك ومنهم. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟ ابتليتهم بالشغل عن مكاسبهم، وفتنتهم بما رأوا من أثر العلم عليك، وتاقت أنفسهم إلى أن يدركوا بالعلم ما أدركت، ويبلغوا منه

<<  <  ج: ص:  >  >>