للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثقلتك نعم الله عليك، مما أصح بدنك، وأطال من عمرك، وعلمت حجج الله مما حملك من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وفهمك من سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرمى بك في كل نعمة أنعمها عليك، وكل حجة يحتج بها عليك، الغرض الأقصى، ابتلى في ذلك شكرك وأبدي فيه فضله عليك، وقد قال: " لئن شكرتهم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " انظر أي رجل تكون إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف قضيتها، ولا تحسبن الله راضياً منك بالتعزيز، ولا قابلاً منك التقصير، هيهات، ليس كذلك، أخذ على العلماء في كتابه " لتبّيننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " الآية. إنك تقول، إنك جدل ماهر عالم، قد جادلت الناس فجدلتهم، وخاصمتهم فخصمتهم، إدلالاً منك بفهمك واقتدار منك برأيك، فأين تذهب عن قول الله عزّ وجلّ: " هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة "؟ اعلم أن أدنى ما ارتكبت، وأعظم ما احتقبت أن آنست الظالم، وسهلت له طريق الغي بدنوك حين أدنيت، وإجابتك حين دعيت، فما أخلقك أن ينّوه باسمك غداً مع الجرمة، وأن تسأل عما أردت بإغضائك عن ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لمن أعطاك، ودنوت ممن لم يردّ على أحد حقاً، ولا يرد باطلاً حين أدناك، وأجبت من أراد التدليس بدعائه إياك حين دعاك، جعلوك قطباً تدوّر رحا باطلهم عليك، وجسراً يعبرون بك إلى بلائهم، وسلما إلى ضلالتهم، وداعياً إلى غيهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخصّ وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم لهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أيسر ما عمروا لك، في جنب ما خربوا عليك، وما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسوؤل، وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً، وانظر كيف إعظامك أمر

<<  <  ج: ص:  >  >>