وما أبالي إذا ضيفي تضيفني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي
جهد المقل إذا أعطاك مصطبراً ... ومكثر من غنى سيان في الجود
قال أبو عمرو المديني: عرضت لي إلى سلم بن قتيبة حاجة، وهو والي البصرة، فلقيت بعض أصحابه فسألته القيام بها فضمنها، ومكثت أختلف إلى باب سلم أياماً، والرجل يمطلني، ويذكر أن الكلام في الحاجة لا يمكن، فبينا أنا في الباب ذات يوم إذ خرج سلم فوقعت عينه علي، وقد كانت بيني وبينه مودة متقدمة، فدعاني فقال: أتطالب قبلنا شيئاً يا أبا عمرو؟ فقلت: نعم، حاجة حملتها فلاناً مذ أيام، فقال: إن كنت لأظن أنك أحزم مما أرى، إذا كانت لك إلى رجل حادة فلا تحملنها من له قبله طعمة، فإنه لن يؤثرك على طعمته، ولا تحملنها كذباً فإن الكذاب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب، ولا تحملنها أحمق فإنه يجهد لك نفسه ثم لا يصنع شيئاً، قال: ثم أمر بقضاء حاجتي.
أتى رجل سلم بن قتيبة، فمثل بين يديه ثم قال: إني واله ما وقفت هذا الموقف حتى بعت دابتي وسرجه وسيفي وحليته، ثم ميزت فوقع الاختيار عليك، قال: فأطرق سلم ثم رفع رأسه وهو يقول: من الطويل
يرى المرء أحياناً إذا قل ماله ... من الخير ساعات فما يستطيعها
وما إن به بخل ولكن ماله ... يقصر عنها الغني يضعها
إن شئت فاصبر حتى يأتي رزقي، فأشاطركه، وإن شئت كتبت لك كتباً. قال: فقال: إني والله ما أحب أن أشفه رزقك على عيالك، ولكن تكتب لي، قال: فكتب له كتباً أغناه بأدناها.
قال سلم بن قتيبة: رب المعروف اشد من ابتدائه، لأن الابتداء بالمعروف نافلة وربه فريضة.