نتحققه، فمشينا حتى دخلنا منزلاً قريباً منها في الساعة التي بلغنا أنها تفعل ذلك، فنظرنا إليها كيف حلته من رباطه ثم اضطجعت له حتى نال منها ما ينال الرجل من المرأة، ونظرنا إلى الميل يدخل في المكحلة ويخرج منها، فبعث داود فأتى بها فرجمها، فخرج سليمان وهو يومئذ غلام حين ترعرع ومعه الغلمان ومعه حضانه يلعب، فجعل منهم صبياً قاضياً وآخر على الشرطة، وآخر على السوق، وآخر حاجباً، وآخر كالمرأة، ثم جاؤوا يشهدون عن سليمان كهيئة ما شهد أولئك عن داود، يريدون رجم ذلك الصبي كما رجمت امرأة، قال سليمان عند شهادتهم: فرقوا بينهم ثم دعا بالصبي الذي جعله قاضياً، فقال: أيقنت الشهادة، قال: نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أسود، قال: نحوه ودعا بالذي جعل على الشرطة فقال: تيقنت الشهادة؟ قال: نعم، قال فما كان لون الكلب؟ قال: أحمر، قال نحوه، ثم دعا صاحب السوق، فقال: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أبيض قال: نحوه، ثم دعا بالذي جعل حاجباً، فقال تيقنت الشهادة؟ قال نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أغبش، قال: أردتم أن تغشوني حتى أرجم امرأة من المسلمين؟ فقال للصبيان: ارجموهم، وخلى سبيل الصبي الذي جعله امرأة، ورجع حضانه، فدخلوا على داود فأخبروه الخبر فقال داود: علي بالشهود الساعة واحداً واحداً، فأتي بهم. قال للقاضي: ما كان لون الكلب؟ فقال: أسود، ثم أتي بصاحب الشرطة وسأله فقال: أبيض، ثم أتي بصاحب السوق فسأله فقال: كان أحمر، ثم أتي بالحاجب فسأله فقال: كان أغبش. فأمر بهم داود فقتلوا مكان المرأة، فكان هذا أول ما استبان لداود من فهم سليمان عليه السلام.
وعن عبد الله بن سلام قالوا: لم يبعث الله عزّ وجلّ رسولاً إلى قومه حتى وجده أرجحهم عقلاً.
قال كعب: وبعض النبيين أرجح عقلاً من بعض، وما استخلف داود سليمان واختاره على جميع ولده وبني إسرائيل حتى عرف فضل عقله في حداثة سنه، وإنما استخلاف الأنبياء قبل سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبوة ما خلا سيدنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا نبي بعده وأعطى الله سليمان من العقل ما لو وزن عقله بعقل أهل زمانه لرجحهم.