لما كبر داود " صلى الله على سيدنا محمد نبينا وعليه وسلم " وظن أنه الموت أرسل إلى فقهاء بني إسرائيل وخيارهم، فقال لهم: إني لا أرى إلا قد احتضرت، فابغوني رجلاً منكم ترضونه فأوليه الخلافة من بعدي. قال: فطافوا زماناً لا يذكر لهم رجل من بني إسرائيل بخير إلا أتوه به، فلا ينصرفون عنه حتى يجدوا فيه عيباً. فلما طال ذلك عليهم قال بعضهم: قد رأينا هذا الغلام قد نشأ على أحسن ما ينشأ عليه أحد، وقد عجزنا أن نجد هذا الرجل فلو أتينا سليمان. قال: فغضبت المشيخة وقالوا: ما لسليمان وهذا الأمر؟! قالوا ليس نجد هذا الرجل وما علينا أن نأتيه؟ قال: فطلبوه في أهله فلم يجدوه، فطلبوه فوجدوه في جدار وحده مسنداً ظهره إلى الجدار فسلموا وقعدوا حوله، ففزع سليمان لما رأى أحبار بني إسرائيل وفقهاءهم، فجعلوا لا يسألونه عن شيء يعلمه إلا أخبرهم به، وإن سألوه عن شيء لا علم له به رد علمه إلى الله تعالى، قال: فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقالوا: هذا صاحبنا. فلما فرغوا مما أرادوا أن يسألوه عنه واجتمع رأيهم على أنه صاحبهم ضحك سليمان فغضبت المشيخة، وقالوا: غلام أتيناه لأعظم أمر في الدنيا وليس أهل ذلك ضحك واستهزأ بنا؟ ثم قال بعضهم: والله لأخبرن بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فأرسل إليهم داود فقال: ألا تبغوني هذا الرجل، قالوا: ما وجدنا في بني إسرائيل رجلاً يصلح للخلافة، فأتينا سليمان قال: فغضب داود وقال: ما لسليمان وما لهذا؟ قالوا: يا رسول الله، لم نجد الرجل فأتيناه فلم نر إلا خيراً. فلما ذهبنا نقوم ضحك سليمان، قال داود: ضحك! قالوا: نعم، قال: علي بسليمان، قال: فأتي به فقال: أتاك أحبار بني إسرائيل وفقهاؤهم لأعظم أمر في الدنيا. ولست لذلك بأهل، فضحكت بهم وسخرت منهم؟ والله لأعاقبنك بعقوبة لم أعاقبها أحداً مثلك. قال سليمان: يا رسول الله، أو آتيك بعذر! قال: أو تأتيني بعذر! قال: أتاني هؤلاء القوم، فسألوني عن أشياء ما علمت منها أخبرتهم، وما لم أعلم رددت علمه إلى الله، فإنهم حولي إذ سمعت كلاماً من خلفي فالتفت إلى الحائط فإذا أنا بدودة، وإذا هي تقول: يا للعجب من قوم يسألون سليمان، وقد فرغ الله من أمره، فما ملكت نفسي أن ضحكت فرحاً لما قالت. قال: فقال داود لسليمان ولهم: اخرجوا عني، فخرجوا ونزل الوحي على داود: يا داود أعرض عن سليمان فقد ولاه الله الأمر من بعدك.