للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعاشق أن يقتضي منها الجفاء ويكسوها المودة، أنا مؤجلكم في هذا البيت ثلاثة أيام على أن لا تسألوا عنه أحداً فمن أتاني به فله حكمه، فنهضوا وخرجوا عنه، فبينا سليمان في موكب له إذا هو بأعرابي يسوق إبلاً له، وهو يقول:

لو حُزّ بالسيف رأسي في مودتها ... لمال يهوي سريعاً نحوها رأسي

قال سليمان: عليّ بالأعرابي، فأُتي به فوكل به ثم انصرف إلى عبد الملك، فقال له عبد الملك: ما وراءك يا سليمان؟ قال: قد أجبتك عما سألت، وأنشده البيت فقال عبد الملك: أحسنت أنى لك هذا؟ فقص عليه خبر الأعرابي فقال: حاجتك! ولا تنس حظ صاحبك، قال: حاجتي يا أمير المؤمنين أن عهد العهد ليس بمقرب أجلاً، ولا تركه بمباعد حتفاً، وقد عهد أمير المؤمنين إلى الوليد، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعهد إلي بعده فعل، قال: نعم. فأقام الحج للناس بمكة، ووصله ثمانية آلاف درهم، فجعلها للأعرابي، وهي سنة إحدى وثمانين.

قال ابن شوذب: قال الوليد لعمر بن عبد العزيز: اخلع سليمان، قال: وكيف نخلعه ونتركك، وإنما بايعنا لك وله في عقد واحد؟! حدث جماعة من مشيخة الجند: أن الوليد لما مات وبويع لسليمان أتته بيعة الأجناد وهو بمشارف البلقاء، فأتى بيت المقدس، وأتته الوفود بالبيعة، فلم يروا وفادة كانت أهنأ من الوفادة إليه، كان يجلس في قبلة من صحن مسجد بيت المقدس مما يلي الصخرة، قد بسطت البسط بين يدي قبته، عليها النمارق والكراسي، فيجلس ويأذن للناس، فيجلس الناس على الكراسي. والوسائد والكساء آنية الذهب والفضة وكتاب الدواوين فيدخل وفد الجند، ويتقدم صاحبهم فيتكلم عنهم وعمن قدموا من عنده، فيقول: إن رجال جندنا كذا وكذا، ومن حاجتهم كذا ومما يصلحهم كذا، فيأمر بذلك كله فيكتب قبل أن يبرح، ثم يقبل على حاجته، فإن سأل زيادة في عطائه أو بلاغاً في شرف أمر الكتاب فكتبوا، وإن سأل ديناً أمره فسماه، وأمر بدفعه إليه من ذلك المال، ثم يقوم من كان معه، كل يتكلم بحاجته فتُقضَى.

حدث سعيد بن عبد العزيز

أن سليمان بن عبد الملك ولي وهو إلى الشباب والرقة ما هو، فقال لعمر بن عبد

<<  <  ج: ص:  >  >>