عليها ما قدروا لذلك قدره، فأخذ الناس العطاء وتجهزوا، وقدم سليمان دمشق، فصلى الجمعة، ثم عاد إلى المنبر فكلم الناس وأخبرهم بيمينه التي حلف عليها من حصار القسطنطينية، فانفروا على بركة الله، واعلموا أنه المقام عليها، فعليكم بتقوى الله ثم الصبر ثم الصبر، فقام رجل من تحت القبة من أشراف الناس ممن اكتتب في البعث فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: قد سمعنا يمين أمير المؤمنين فنحن مطيعون صابرون حتى يفتحها اله ويبر قسم أمير المؤمنين، فليقطعني أمير المؤمنين دار فلان البطريق إن شاء الله، قال سليمان: نعم ومضى سليمان حتى نزل دابق، فاجتمع الناس إليه فأمضى مسلمة بالبعث فأدرب، وأقام سليمان بدابق فذكر يمينه أن لا ينتقل من دابق حتى يفتح القسطنطينية فأقام بها.
قال الشعبي حج سليمان بن عبد الملك فرأى الناس بالموسم فقال لعمر بن عبد العزيز: أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره؟ فقال عمر: يا أمير المؤمنين، هؤلاء رعيتك اليوم، وهم غداً خصماؤك. فبكى سليمان بكاء شديداً ثم قال: بالله أستعين.
قال عطاء بن السائب: كان عمر بن عبد العزيز في سفر مع سليمان بن عبد الملك فأصابته السماء برعد وبرق وظلمة وريح شديدة حتى فزعوا لذلك، وجعل عمر بن عبد العزيز يضحك، فقال له سليمان: ما أضحكك يا عمر؟ أما ترى ما نحن فيه؟ قال له: يا أمير المؤمنين، هذه آثار رحمته فيه شدائد ما ترى فكيف بآثار سخطه وغضبه؟! قال يزيد بن حازم: كان سليمان بن عبد الملك يخطبنا كل جمعة، لا يدع أن يقول في خطبته: وإنما أهل الدنيا على رحيل لم تمضِ بهم نية ولم تطمئن لهم دار حتى يأتي أمر وعد الله وهم على ذلك، كذلك لا يدوم نعيمها، ولا تؤمن فجعاتها، ولا يتقى من شر أهلها، ثم يتلو " أفرأيت إن متعناهما سنين ثم جاؤهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يُمتعون ".