خير من اليد السفلى؟ ومن علامة المؤمن أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلها حتى يبلغ منازل الأبرار؟ قال: فأخذ يد إبراهيم يقبلها وقال له: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق.
قال حاتم: قدم شقيق بن إبراهيم من الكوفة يريد مكة، فلقيه سفيان الثوري فقال له: أنت الذي يدعو إلى التوكيل ويمنع المكاسب؟ فقال: شقيق ما قلت كذا. قال: أيش قلت؟ قال: قلت: حلال بيّن وحرام بيّن ومتشابه فيما بين ذلك ولكن دخلت الآفة من الخاصة على العامة. وهم خمس طبقات: فأولهم العلماء، والثاني الزهاد، والثالث الغزاة، والرابع التجار، والخامس السلطان. فأما العلماء فهم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم. وإذا كان العالم طامعاً جامعاً فالجاهل بمن يقتدي؟ وأما الزهاد فهم ملوك الأرض. فإذا كان الزاهد يرغب فيما في أيدي الناس فالراغب بمن يقتدي؟ وأما الغزاة فهم أضياف الله في أرضه. فإذا كان الغازي يحب الخيلاء والتصدر في المجالس فمن يغزو؟ وأما التجار فهم أمناء الله عزّ وجلّ في أرضه، فإذا كان التاجر الأمين خائناً فالخائن بمن يقتدي؟ وأما السلطان فهم الرعاة، فإذا كان الراعي هو الذئب فالذئب ما يجد ما يأكل. يا سفيان، لا تجمعن منها إلا قدر مقامك فيها، فقام سفيان ولم يردّ عليه شيئاً.
قال شقيق: التوكل طمأنينة القلب بموعود الله.
كان شقيق البلخي يقول: لكل واحد مقام، فمتوكل على ماله، ومتوكل على نفسه، ومتوكل على لسانه، ومتوكل على سيفه، وقيل على شرفه ومتوكل على سلطنته، ومتوكل على الله عزّ وجلّ. فأما المتوكل على الله فقد وجد الاسترواح، نوّه الله به ورفع قدره. وقال:" وتوكَّلْ على الحي الذي لا يموت " وأما من كان مستروحاً إلى غيره فيوشك أن ينقطع به فيبقى.