عمرو بن العاص، فقدم على معاوية، فاستأذن عليه في غير مجلس الإذن، فأذن له. فقال له معاوية: يا أبا عبد الله، ما أعجلك قبل وقت الإذن؟ قال: يا أمير المؤمنين، أتيتك لأمر قد أوجعني، وأرقني، وغاظني، وهو من بعد ذلك نصيحة لأمير المؤمنين. قال: وما ذاك يا عمرو؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن أبا الأسود رجل مفوّه، له عقل وأدب، من مثله الكلام يذكر، وقد أذاع بمصرك من الذكر لِعليّ، والبُغض لعدوه، وقد خشيت عليك أن يُثري في ذلك حتى تؤخذ بعنقك، وقد رأيت أن ترسل إليه فترهِّبه وترعِّبه، وتسبُره وتخبُره ولك من مسألته على إحدى خِبرتين: ما أن يبدي لك صفحته فتعرف مقالته، وإما أن يستقبلك، فيقول ما ليس من ورائه، فيُحتمل ذلك عنه، فيكون لك في ذلك عافية صلاح إن شاء الله، فقال معاوية: أم والله لقلما تركتُ رأيي لرأي امرىء قط إلا كنت فيه وبين أن أرى ما أكره، ولكن إن أرسلت إليه فساءلته، فخرج من مساءلتي بأمر لا أحد عليه مقدماً، ويملأني غيظاً لمعرفتي بما تُريد، وإن الرأي فيه أن نقبل منه ما أبدى من لفظه، فليس لنا أن نشرح عن صدره، وندع ما وراء ذلك يذهب جانباً. قال عمرو: أنا صاحبك يوم رفع المصاحف بصفين. وقد عرفت رأيي، ولست أرى لك خلافي، وما آلوك خيراً، فأرسِل إليه ولا تفترش مهاد العجز فتتخذه وطيئاً. فأرسل معاوية إلى أبي الأسود، فجاء حتى دخل عليه فكان ثالثاً، فرحب به معاوية وقال: يا أبا الأسود، خلوت أنا وعمرو وتشاجرنا في أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أحببت أن أكون من رأيك على يقين، قال: سل يا أمير المؤمنين عما بدا لك، قال: يا أبا الأسود، أيّهم كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: يا أمير المؤمنين، أشدهم كان حباً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأوقاهم له بنفسه؛ فنظر معاوية إلى عمرو، وحرّك رأسه، ثم تمادى في مسألته، فقال: يا أبا الأسود، فأيّهم كان أفضلهم عندك؟ قال: أتقاهم لربه، وأشدهم خوفاً لدينه، فاغتاظ معاوية على عمرو، ثم قال: يا أبا الأسود، فأيّهم أعلم؟ قال: أقولهم للصواب، وأفصلهم للخطاب، قال: يا أبا الأسود، فأيّهم كان