للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشجع؟ قال: أعظمهم بلاء، وأحسنهم غَناء، وأصبرهم على اللقاء، قال: فأيّهم كان أوثق عنده؟ قال: مَنْ أوصى إليها فيما بعده، قال: فأيّهم كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِدِّيقاً؟ قال: أولهم به تصديقاً فأقبل معاوية على عمرو وقال: لاجزاك الله خيراً، هل تستطيع أن ترد مما قال شيئاً؟! فقال أبو الأسود: يا أمير المؤمنين، إني قد عرفت من أين أتيت، فهل تأذن لي فيه؟ قال: نعم، فقل ما بدا لك، فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا الذي ترى هجا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبيات من الشعر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، إني لا أحسن أن أقول الشعر، فالعَن عمراً، بكل بيت لعنة. أفتراه بعد هذا نائلاً فلاحاً، أو مدركاً رباحاً؟ إن أمرأ لم يعرف إلا بسهم أُجيل عليه فجال لَحقيقٌ أن يكون كليل اللسان، ضعيف الجَنان، مستشعراً للاستكانة، مقارناً للذل والمهانة، غير وَلوج فيما بين الرجال، ولا ناظر في تسطير المقال، إن قالت الرجال أصغى، وإن قامت الكرام أقعى، مبصبص بذَنبه لعظيم ذنبه، غير ناظر في أبهة الكرام، ولا منازع لهم، ثم لم يزل في دجنة ظلماء مع قلتة حياء، يعامل الناس بالمكر والخداع، والمكر والخداع في النار، فقال عمرو: يا أخا بني الدئل، والله لأنت الذليل القَليل، ولولا ماتمتّ به من نسب كنانة لاختطفتك من حولك اختطاف الأجدل الجُدّيّة، غير أنك بهم

تطول، وبهم تصول، والله لقد أُعطيت مع هذا لساناً قوالاً، سيصير عليك وبالاً. وايم الله إنك لأعدى الناس لأمير المؤمنين، قديماً وحديثاً، وما كنت قط بأشد عداوة له منك الساعة، وإنك لَتُوالي عدوّه، وتعادي وليّه، وتبغيه الغوائل، ولئن أطاعني ليَقطعَنّ عنه لسانك، ولَتُخرجَنّ من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له إطراق الأفعوان في أصل السّخْبَر. قال: فتكلم معاوية فقال: يا أبا الأسود، أغرقت في النزع، ولم تدع رجعة لصالحك، وقال لعمرو: لم يغرق كما أغرقت، ولم يبلغ ما بلغت غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء، والبادىء أظلم، والثالث أحلم، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره، وقُوما غيرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>