للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو جلست في منزلي اغتمّ بي أهلي، واستأنس بي الصبي، واجترأت عليّ الخادم، وكلمني من أهلي من يهاب أن يكلمني.

باع أبو الأسود داراً له، فقيل له: بعت دارك! قال: لا، ولكني بعثت جيراني.

قال أبو الأسود لبنيه: أحسنت إليكم كباراً وصغاراً، وقبل أن تكونوا. قالوا: أحسنت إلينا كباراً وصغاراً، فكيف أحسنت إلينا قبل أن نكون؟ قال: لم أضعكم موضعاً تستحيون منه.

قال رجل لأبي الأسود: أنت والله ظريفُ لفظٍ، ظريفُ علمٍ، وعاء حِلم، غير أنك بخيل، فقال: وما خير ظريفٍ لا يُمسك ما فيه؟ كان أبو الأسود الدُّئلي ينزل في بني قُشَير، وكانوا عثمانية، وكان أبو الأسود علوي الرأي، فكان بنو قُشَير يسيئون جواره، ويؤذونه، ويرجمونه بالليل، فعاتبهم على ذلك فقالوا: ما رجمناك، ولكن الله رجمك، قال: كذبتم، لأنكم إذا رجمتموني أخطأتموني، ولو رجمني الله ما أخطأني. ثم انتقل عنهم إلى هذيل، وقال فيهم: " الكامل "

شتموا علياً ثم لم أزجرْهُمُ ... عنهُ وقلتُ مقالةَ المتردِّدِ

اللهُ يعلُم أنّ حبّي صادقٌ ... لِبني النبيّ وللإمامِ المهتدي

وقال في بني قشير من أبيات: " الوافر "

يقولُ الأرذلون بنو قُشَير ... طوالَ الدّهر لا تنسى علياً!

أُحِبُّ محمداً حُبّاً شديداً ... وعباساً وحمزة والوصيّا

بنو عمِّ النبيّ وأقربوه ... أحبّ الناسٍ كلِّهمُ إليّا

فإن يكُ حبُّهُم رُشداً أَنلْهُ ... أوليسَ بضائري إن كان غيّا

فكتب معاوية إلى عبيد الله بن زياد: إن عرفت أبا الأسود، وإلاّ فاسأل عنه، ثم أخبره أنه قد شكّ في دينه، فإذا قال: بماذا؟ فأخبِره بقوله:

فإن يكُ حبُّهم رشداً أنلْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>