البيت. فبعث عبيد الله إلى أبي الأسود فأخبره بمقالة معاوية، فقال أبو الأسود: فاقرئه السلام، وأخبره بأني إنما قلت ما قال العبد الصالح: " وَإِنَّ أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلي هُدىً أوْ فِي ضَلالٍ مُبِيْنٍ " افتراه شكّ في دينه؟ رأى عبيد الله بن أبي بكرة على أبي الأسود الدِّيلي جبّة رثّة كان يكثر لبسها، فقال: يا أبا الأسود: أما تملّ هذه الجبّة؟ فقال: ربّ مملول لا يستطاع فراقه. قال: فبعث إليه بمئة ثوب، فأنشأ أبو الأسود يقول: " الطويل "
كساني وَلم أستكسِه فحمدتُه ... أخٌ لك يعطيكَ الجزيلَ وناصرُ
وإنّ أحقَّ الناسِ إن كنتَ شاكراً ... بشكركَ مَن أعطاكَ والعِرضُ وافرُ
دخل أبو الأسود على عبيد الله بن زياد وقد أسنّ فقال له يهزأ به -: يا أبا الأسود، إنك لجميل فلو تعلقت تميمة، فقال أبو الأسود: " البسيط "
أفنى الشبابَ الذي أفنيتُ جِدَّتَه ... كرُّ الجديدَيْنِ من آتٍ ومنطلقِ
لم يتركا ليَ في طولِ اختلافهما ... شيئاً أخاف عليه لذعةَ الحدَقِ
كانت لأبي الأسود من معاوية ناحية حسنة، فوعده وعداً فأبطأ عليه، فقال له أبو الأسود: " الرمل "
لا يكن برقُك برقاً خُلَّباً ... إن خيرَ البرقِ ما الغيثُ معَهْ
لا تهنّي بعدَ إذ أكرمتني ... فشديدٌ عادةٌ مُنْتَزَعَهْ
أطلع أبو الأسود مولى له على سرّ له، فبثّه، فقال أبو الأسود: " الطويل "
أمنتُ على السرّ امرأ غيرَ حازمِ ... ولكنه في النصح غيرُ مُريبِ
فذاع به في الناس حتى كأنه ... بعلياءَ نارٌ أُوقدَتْ بثَقوبِ
وما كل ذي نصحٍ بمؤتيك نصحَهُ ... ولا كلُّ من ناصحتَه بلبيبِ
ولكن إذا ما استجمعا عندَ واحدٍ ... فحقٌّ له من طاعةٍ بنصيبِ