للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: مَن؟ قال: أبو عبيدة، قالوا: يأتيك الآن، قال: فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه وسأله، ثم قال للناس: انصرفوا عنا، فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليها، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر بن الخطاب: لو اتخذت متاعاً أو قال شيئاً قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلغنا المقيل.

وقيل: إن عمر بلغه أبا عبيدة يُسبغ على عياله وقد ظهرت شارته، فنقص من عطاياه التي كان يجري عليه، ثم سأل عنه، فقيل: قد شحب لونه، وتغيرت ثيابه، وساءت حاله، فقال: يرحم الله أبا عبيدة، ما أعفّ وأصبر، هل يؤخذَن على رجل أسبغنا عليه فأسبغ على عياله، وأمسكنا عنه فصبر واحتسب، فرد عليه ما كان حبس وأجراه عليه.

وقيل: إن عمر حين قدم الشام قال لأبي عبيدة: اذهب بنا إلى منزلك، قال: وما تصنع عندي، ما تريد إلا أن تعصِّر عينيك عليّ، قال: فدخل منزله فلم ير شيئاً، قال: أين متاعك؟ لا أرى إلا لِبْداً وصحفة وشنّاً وأنت أمير؟ أعندك طعام؟ فقام أبو عبيدة إلى جُونة فأخذ منها كُسيرات، فبكى عمر. فقال له أبو عبيدة، قد قلت: إنك ستعصّر عينيك عليّ، يا أمير المؤمنين، يكفيك ما بلغك المقيل. قال عمر: غيّرتنا الدنيا كلّنا غيرك يا أبا عبيدة.

وروي أن أبا عبيدة كان يسير في العسكر فيقول: ألا رب مبيّض لثيابه، مدنّس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها غداً مهين، بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء، ثم عمر حسنة لَعَلَت فوق سيئاته حتى تقهرهن.

وعن طارق بن شهاب قال: كنا عند أبي موسى فقال لنا ذات يوم: لا يضركم أن تخفوا عني، فإن هذا الداء قد

<<  <  ج: ص:  >  >>