الأمر فبث دعاة، وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه، ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف، وكتبوا إلى الأمصار كتباً يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، فكتب أهل كل مصر منهم إلى أهل مصر آخر بما يصنعون، فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة، وأسعوا الأرض إذاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء. إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع أهل الأمصار فقالوا: إنا لفي عافية مما الناس فيه، فقالوا: إنه اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين، أيأتيك عن الناس الذي أتانا؟ قال: لا والله، ما جاءني إلا السلامة فأخبروه بالذي أسقطوا إليهم. قال: فأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالاً ممن تثق به من الناس إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم.
فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام، وفرق رجالاً سواهم، فرجعوا جميعاً قبل عمار، فقالوا: أيها الناس، والله ما أنكرنا شيئاً ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم، وقالوا جميعاً: الأمر أمر المسلمين، ألا إن أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم، واستبطأ الناس عماراً حتى ظنوا أنه قد اغتيل، فوصل كتاب منعبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد استماله قوم بمصر، وقد انقطعوا إليه فيهم عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر يريدونه على أن يقول بقولهم، يزعمون أن محمداً راجع، ويدعونه إلى خلع عثمان ويخبرونه أن رأي أهل المدينة على مثل رأيهم، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في قتله وقتلهم قبل أن يبايعهم، فكتب إليه عثمان: لعمري إنك جريء بابن أم عبد الله، لا والله لا أقتله ولا أنكاه، ولا إياهم حتى يكون الله عز وجل ينتقم منهم ومنه بمن أحب، فدعهم - ما لم يخلعوا يداً من طاعة - يخوضوا ويلعبوا، وكتب إلى عمار: إني أنشدك الله أن تخلع يداً من طاعة أو تفارقها فتبوء بالنار، ولعمري إني على يقين من الله تعالى لأستكملن أجلي، ولأستوفين رزقي غير منقوص شيئاً من