نبهته وظلام الليل منسدل ... بين الرياض دفيناً في الرياحين
فقلت: خذ، قال: كفي لا تطاوعني ... فقلت: قم، قال: رجلي لا تواتيني
إني غفلت عن الشافي فصيرني ... كما سليب العقل والدين
قال محمد بن منصور البغدادي: دخلت على عبد الله بن طاهر وهو في سكرات الموت، فقلت: السلام عليك أيها الأمير فقال: لا تسمني أمير وسمني أسيراً، ولكن اكتب عني بيتين عرضا بقلبي، ما أراهما إلا آخر بيتين أقولهما ثم أنشأ يقول: السريع
بادر فقد أسمعك الصوت ... إن لم تبادر فهو الفوت
من لم تزل نعمته قلبه ... زال عن النعمة بالموت
توفي عبد الله بن طاهر سنة ثلاثين ومئتين، مرض ثلاثة أيام بوجع أصابه في حلقه بنيسابور، فولى الواثق ابنه طاهر أعماله كلها، وكان قد أظهر التوبة وكسر آلات الملاهي وعمر رباطات خراسان، ووقف لها الوقوف، وأظهر الصدقات، ووجه أموالاً عظيمة إلى الحرمين وافتدى أسرى المسلمين من الترك، وبلغ ما أنفقه على الأسارى ألفي ألف درهم.
كان زكريا بن دلويه يزور كل جمعة قبر عبد الله بن طاهر فيخرق الأسواق، وطريقه على قبر أستاذه أحمد بن حرب فلا يقف على قبره، فعوتب على ذلك فقال: إن أحمد بن حرب وغيره من العلماء والصالحين لم يفدهم زهدهم، وآثار عبد اللهبن طاهرباقية ما بقيت السموات والأرض.
قال محمد بن عبد الله بن منصور لما بلغه موت عبد الله بن طاهر: الكامل
هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل