إلى أن قال أبو جهل: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاماً نهداً جليداً ثم نعطيه سيفاً صارماً، فيضربونه ضربة رجلٍ واحدٍ فيتفرق دمه في القبائل، فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع. قال: يقول النجدي: لله در الفتى، هذا والله الرأي، وإلا فلا. فتفرقوا على ذلك، وأجمعوا عليه. وأتى جبريل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره الخبر، وأمره ألا ينام في مضجعه تلك الليلة. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر فقال: إن الله قد أذن لي في الخروج. فقال أبو بكر: للصحابة يا رسول الله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت وأمي إحدى راحلتي هاتين. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بالثمن. وكان أبو بكر اشتراهما بثمان مئة درهم من نعم بني قشير. فأخذ إحداهما وهي القصواء، وأمر علياً أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات فيه، وتغشى برداً أحمر حضرمياً كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام فيه. واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صبير الباب فيرصدونه، يريدون بياته فيأتمرون أيهم يحمل على المضطجع صاحب الفراش. فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم جلوس على الباب، فأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذرها على روؤسهم ويتلو:" يس والقرآن الحكيم " حتى بلغ: " سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " ومضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال قائل منهم: ما تنظرون؟ قالوا: محمد. قال: خبتم وخسرتم، قد والله مر بكم وذر على رؤوسكم التراب. قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وهم أبو جهل والحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وابن العيطلة وزمعة بن الأسود وطعيمة ين عدي وأبو لهب وأبيّ بن خلف ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج. فلما أصبحوا قام عليّ عن الفراش فسألوه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لا علم لي به. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى منزل أبي بكر فكان فيه إلى الليل. ثم خرج هو وأبو بكر. فمضيا إلى غار ثور فدخلاه، وضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض، وطلبت قريش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد الطلب حتى انتهت إلى باب الغار. فقال بعضهم: إن عليه لعنكبوتاً قبل ميلاد محمد، فانصرفوا، وساق الحديث.