وكان خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغار ليلة الاثنين لأربع ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول، وقال يوم الثلاثاء بقديد، فلما راحوا منها عرض لهم سراقة بن مالك بن جعشم وهو على فرس له، فدعا عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسخت قوائم فرسه. فقال: يا محمد، ادع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك، وأرد من ورائي ففعل، فأطلق، ورجع، فوجد الناس يلتمسون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ارجعوا فقد استبرأت لكم ما هاهنا، وقد عرفتم بصري بالأثر، فرجعوا عنه. وسلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخرار ثم جاز ثنية المرة، ثم سلك لقفاً ثم أجاز مدلجة لقف، ثم استبطن مدلجة مجاح ثم سلك مرجح ثم بطن مرجح مجاح، ثم بطن ذات كشر ثم علا الجداجد ثم علا الأذاخر ثم بطن ربع، فصلى به المغرب. ثم ذا سلم ثم أعد مدلجة ثم العثيانة ثم جاز بطن الفاجة ثم هبط العرج ثم سلك في الخذوات ثم في الغائر عن يمين ركوبه، ثم هبط بطن العقيق حتى انتهى إلى الجثجاثة فقال: من يدلنا على الطريق إلى بني عمرو بن عوف ولا يقرب المدينة؟ فتعلل على طريق الظُبَيّ حتى خرج على العصبة.
وكان المهاجرون قد استبطؤوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القدوم عليهم، فكانوا يغدون مع الأنصار إلى ظهر حرّة العصبة فيتحينون قدومه في أول النهار، فإذا أحرقتهم الشمس رجعوا إلى منازلهم. فلما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ويقال: اثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول جلسوا كما كانوا يجلسون. فلما أحرقتهم الشمس رجعوا إلى بيوتهم، فإذا رجل من يهود يصيح على أُطُم بأعلى