الكتاب، وليَلِيَنَّ الخلافة ما كذبت ولا كُذبت، وانصرف. وتأهبت للركوب فركبت وركب معي الناس حتى صليت بأهل العسكر، ونحرت وانصرفت إليه، فسألته عن خبره، فقال: خبر ما، به الموت لا محالة! فقلت: يا أمير المؤمنين، هل وجدت شيئاً؟ فأنكر عليّ قولي، وكشر في وجهي وقال: يا سبحان الله! أقول لك: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنه يموت " فتسألني عما أجد؟! لا تعد لمثل هذا الذي كان منك! ثم دخلت إليه عشية يوم العيد، وكان من أحسن من عاينته عيناي وجهاً، فرأيته في تلك العشية وقد حدثت في وجهه وردية لم أكن أعرفها، فزادت وجهه كمالاً، ثم بصرت بإحدى وجنتيه في الحمرة مثل حبة الخردل بيضاء، فارتبت بها، ثم صوبت بطرفي إلى الوجنة الأخرى، فوجدت فيها حبةً أخرى، ثم أعدت نظري إلى الوجنة التي عاينتها بدياً فرأيت الحبة قد صارت ثنتين، ثم لم أزل أرى الحب يزداد حتى رأيت في كل جانب من وجنتيه مقدار الدينار حباً أبيض صغاراً، فانصرفت وهو على هذه الحال.
وغَلّست غداة اليوم الثاني من أيام التشريق فوجدته قد هجر، وذهبت عنه معرفتي ومعرفة غيري، فرحت إليه بالعشي، فوجدته قد صار مثل الزق المنفوخ، وتوفي في اليوم الثالث من أيام التشريق، فسجيّته كما أمرني، وخرجت إلى الناس فقرأت عليهم الكتاب وكان فيه: سلام عليكم، أما بعد فقد قلّد أمير المؤمنين الخلافة عليكم بعد وفاته أخاه، فاسمعوا له وأطيعوا، وقد قلد الخلافة بعد عبد الله: عيسى بن موسى - إن كان.
ثم أخذت البيعة على الناس، وجهزته، وصليت عليه، ودفنته في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة.