إن شاء الله - قال: بلى - إن شاء الله - لئن كانت الدنيا حبيبةً إليّ فصحة الرواية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إليّ منها، والله ما كذبت، ولا كُذبت، ثم نهض، وقال لي: من مكانك حتى أخرج إليك، فما غاب حيناً حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهر، فخرج إلي خادم له، فأمرني بالخروج إلى المسجد، والصلاة بالناس، ففعلت ذلك، ورجعت إلى موضعي حتى آذنه المؤذنون بصلاة العصر، فخرج إلي الخادم، فأمرني بالصلاة بالناس، والرجوع إلى موضعي، ففعلت، ثم آذنه المؤذنون بصلاة المغرب، فخرج الخادم، فأمرني بمثل ما كان أمرني به في صلاة الظهر والعصر، ففعلت ذلك، ثم عدت إلى مكاني، ثم آذنه المؤذنون بصلاة العشاء، فخرج إلي الخادم، فأمرني بمثل ما كان يأمرني به، ففعلت مثل ما كنت أفعل، ولم أزل مقيماً بمكاني إلى أن مر الليل، ووجبت صلاته، فقمت، فتنفلت حتى فرغت من صلاة الليل والوتر إلا بقية بقيت من القنوت، فخرج عند ذلك ومعه كتاب، فدفعه إليّ حين سلمت، فإذا هو معنون مختوم:
" من عبد الله عبد الله أمير المؤمنين، إلى الرسول والأولياء وجميع المسلمين " وقال: يا عم، اركب في غدٍ، فصل بالناس في المصلى، وانحر، وأخبر بعلة أمير المؤمنين، وأكثر لزومك داره، فإذا قضى نحبه فاكتم وفاته حتى تقرأ هذا الكتاب على الناس، وتأخذ عليهم البيعة للمسمى في هذا الكتاب، فإذا أخذتها، واستحلفت الناس عليها بمؤكدات الأيمان فانعَ إليهم أمير المؤمنين، وجهزه وتول الصلاة عليه، ثم انصرف في حفظ الله، فتأهب لركوبك، فقتل: يا أمير المؤمنين، هل وجدت علة؟ فقال: يا عم، وأي عِلَّةٍ هي أقوى وأصدق من الخبر الصادق عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأخذت الكتاب ونهضت، فما مشيت إلا خطىً حتى هتف بي يأمرني بالرجوع، فرجعت وقال لي: إن الله عز وجل قد ألبسك كمالاً أكره أن يُحظّك الناس فيه، وكتابي الذي في يديك مختوم، وسيقول من يحسدك على ما جرى على يديك من هذا الأمر الجليل: إنك إنما وفيت للمسمى في هذا الكتاب؛ لأن الكتاب كان مختوماً وقد رأى أمير المؤمنين أن يدفع إليك خاتمه ليقطع بذلك ألسنة الحسدة عنك، فوالله لتفين للمسمى في هذا