المدينة؟ فيقول: كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فينفق عليهم إلى أن يصلوا إلى مرو فإذا صاروا إلى مرو صنع لهم بعد ثلاثة أيام وليمة وكساهم، إذا أكلوا وسروا دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه، فحدث خادمه انه عمل آخر سفرة سافرها دعوة، فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خواناً فالوذج، قال: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مئة ألف درهم.
قال المسيب بن واضح: كنت عند ابن المبارك إذ كلموه في رجل يقضي عنه سبع مئة درهم ديناً، فكتب إلى وكيله أن يدفع له سبعة آلاف درهم. فلما ورد الكتاب على الوكيل قال للرجل: أي شيء قصتك؟ قال: كلموه أن يقضي عني سبع مئة درهم، فقال: الكتاب أصبت فيه غلطاً، ولكن اقعد موضعك حتى أجري عليك، من مالي وأبعث إلى صاحبي فأوامدة فبك فكتب إلى عبد الله بن المبارك اتاني كتابك وسألت صاحبه فذكر أنه كلمك في سبع مئة درهم وها هنا سبعة آلاف درهم، فإن يكن منك غلطاً فاكتب إلي، فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفاً، فكتب إليه: إن كان على هذا الفعل تفعل، ما أسرع ما تبيع الضيعة، فكتب إليه عبد الله: إن كنت وكيلي فأنفذ ما آمرك به، وإن كنت أنا وكيلك فتعال إلى موضعي حتى أصير إلى موضعك فأنفذ ما تامرني به.
قال محمد بن عيسى:
كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث. قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب، وكان مستعجلاً، فخرج في النفير، فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. قال: فقال عبد الله: وكم يبلغ دينه؟ قالوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه ألا يخبر أحداً ما دام عبد الله حياً، وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس، وأدلج عبد الله فأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا وكان يذكرك، وقد خرج، فخرج الفتى في أثره