فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة، فقال: يا فتى، أين كنت؟ لم أرك في الخان، قال: نعم يا أبا عبد الرحمن، كنت محبوساً بدين، قال: فكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أعلم به حتى خرجت من الحبس، فقال لي عبد الله: يا فتى، احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك، فلم يخبر ذلك الرجل أحداً إلا بعد موت عبد الله.
قال حبان بن موسى: عوتب ابن المبارك فيما يفرق المال في البلدان، ولا يفعل في أهل بلده فقال: إني لأعرف مكان قوم، ولهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا الطلب للحديث، وحاجة الناس إليهم شديدة، وقد احتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أغنيناهم بثوا العلم لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم.
قال علي بن الفضيل: سمعت أبي يقول لابن المبارك: أنت تامرنا بالزهد والتقلل وبالبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا، وأنت تأمرنا بخلاف ذا؟! فقال ابن المبارك: يا أبا علي، أنا أفعل لأصون بها وجهي وأكرم بها عرضي، وأستعين بها على طاعة ربي، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا بن المبارك، ما احسن ذا إن تم ذا.
قال نعيم بن حماد: قيل لابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، تكثر القعود في البيت وحدك! قال: أنا وحدي! أنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يعني النظر في الحديث.
قال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: إنه ليعجبني من القراء كل طلق مضحاك، فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك بعمله فلا أكثر الله في القراء مثله.