ثم كانت وقعة أحد في شوال على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير، ورئيس المشركين يومئذ أبو سفيان بن حرب. فلما نزل أبو سفيان بالمشركين أحداً قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: إني رأيت الليلة أني في درع حصينة. وإني أوّلتها المدينة، فاجلسوا في صنعكم وقاتلوا من ورائه، وكانوا قد سكّوا أزقة المدينة بالبنيان، فقال رجال من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكونوا شهدوا بدراً: يا رسول الله، اخرج بنا إليهم. فلم يزالوا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دعا بلأمته فلبسها، فلما لبس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته قال: أما إني أظن الصرعى ستكثر منكم ومنهم اليوم. إني رأيت في النوم بقراً منحّرة فأراني أقول: بقرٌ والله خير، فتقدم الذين يدعونه إلى الخروج فقالوا: يا رسول الله، امكث.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لا ينبغي لنبيّ أن يلبس لأمته ثم ينثني حتى يأتي الناس. فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه حتى التقوا هم والمشركون بأحد، والمسلمون يومئذٍ قريب من أربع مئة، والمشركون قريب من ثلاثة آلاف، فاقتتلوا. قال الله تعالى:" ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم باذنه " إلى قوله: " والله خبير بما تعملون " وكان فيمن قتل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ: حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير من بني عبد الدار، وهو أول من جمّع الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذلك يوم نجم النفاق، وسموا المنافقين، وهم الذين حدثوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نهض إلى المشركين بأحد، وكانوا قريباً من ثلث أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمشوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا بلغوا الجبّابة وبرزوا من دور المدينة انصرفوا إلى أهلهم، ورأسهم يومئذ عبد الله بن أبيّ، وكان عظيم تلك البحيرة في الجاهلية.
ثم كانت وقعة الأحزاب لسنتين، وذلك يوم خندق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون الخندق بجبّانة المدينة، ورئيس الكفار يومئذ أبو سفيان بن حرب، فحاصرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه بضع عشرة ليلة فخاض إلى المسلمين الكرب والأزل حتى قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما