أخبر سعيد بن المسيب: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إنك إن تشأ لا تعبد. وأرسلت بنو قريظة إلى أبي سفيان ومن معه من الأحزاب أن اثبتوا، فإنا سنغير على قبضة المسلمين من ورائهم، فسمع نعيم بن عمرو الأشجعي وهو موادع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان نعيم رجلاً لا يكتم الحديث.
فأقبل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره وبعث الله عليهم الريح حتى يكاد أحدٌ منهم يهتدي لموضع رجله. فارتحلوا وولوا منهزمين فأنزل الله عز وجل:" يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ " إلى قوله: " وما تلبثوا بها إلا يسيرا ". فلما ولى الكفار طلبهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمن معه من المسلمين حتى بلغوا جبلاً يقال له حمراء الأسد. فأنزل الله تعالى:" وكفى الله المؤمنين القتال " إلى: " وكان الله على كل شيءٍ قديرا " فأنزل الله هذا في طلبهم، وسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمن معه إلى بني قريظة، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ. ثم كانت غزوة الحديبية وأهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذي الحليفة بعمرة، ومن معه يومئذ بضع عشرة مئة من المسلمين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا لم نأت لقتال أحد، ولكنا جئنا لنطوف بالبيت فمن صدنا عنه قاتلناه، ورئيسهم يومئذ أبو سفيان بن حرب، فنحر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديه وحلق رأسه، ثم انصرف إلى المدينة على أن يخلوا بينه وبين البيت عاماً قابلاً، فيطوف به ثلاث ليالٍ. ونزل بخيبر وأنزل الله تعالى ذكره:" وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها " الآية. فغزاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفتحها، وقسم فيها لمن بايعه بالحديبية تحت الشجرة، من غائبٍ أو شاهد من أجل أن الله كان وعدهم إياها.
وخمّس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، ثم قسم سائرها مغانم بين من شهدها من المسلمين، ومن غاب عنها من أهل الحديبية، ثم اعتمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العام القابل في ذي القعدة في المدة آمناً فخرج كفار قريش من مكة وخلوها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفوا حويطب بن عبد العزى، وأمروه إذا طاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكعبة ثلاث ليالٍ أن يأتيه فيسأله أن يرتحل، فأتى